على طول الشارع المؤدي للثكنة العسكرية بسطت سيارات الدرك نفوذها فاسحة الطريق أمام الموكب للولوج بالمتدربين إلى حيث نقطة البداية لرحلة قادمة مع عرق الأحذية والبذلات العسكرية لكن في ساحة الشرف.
كان في استقبالنا كالعادة جمع من الضباط ..ولكن هده المرة بقي القائد الجديد للمدرسة العقيد أحمد ولد اعليوته ينظر من طرف خفي من مكتبه في العمارة المقابلة .وكان الفضول يدفعنا للتساؤل عنه وتمنى رؤيته وأسلوب تعامله معنا وضباطه للمرة الأولى حيث لم نجد معلومات تشفى الغليل عنه سوى أنه عملي ومشهور بالصرامة وكان مدير المكتب3 المسؤول عن الاكتتاب في قيادة أركان الدرك،كما كان تحويل الضابط سيدنا عالي مدير التكوين السابق بالمدرسة قائدا لكتيبة الدرك بزويرات وتولي الضابط حمادي لإدارة التدريب مؤشرا ولد الكثير من الخوف في نفوسنا لماعرف به في العام السابق من صرامة حيث كان يدرسنا مادة القتال نظريا وتطبيقيا.
لم يطل الانتظار حتى أصدر الضابط حمادي أمره لمعاونيه من الضباط باستقبالنا وبأن يعود كل منا في طرفة عين لفصيلته وسريته تماما كما كان العام الماضي،وفي دقائق قليلة ونظرا لأن دروس العام الماضي مازال "النظام المنضم" منها خاصة منقوشا على جدار ذاكرتنا طبقنا الأوامر بسرعة ..وبعدها بدأ التحرك نحو المخازن لأخذ عدة البيت والبذلة العسكرية واللوازم المتعلقة بها .
لاشيئ تغير بالنسبة لمن كانوا هنا في نفس الأيام قبل عام هي "القواطع" نفسها بحسب تعريف العسكر وتعني مسكن "التلاميذ" العسكريين"،وهنالك تقع ساحة العلم ومبنى القيادة والمطعم والمشرب..بات المشهد عاديا بالنسبة لنا تماما لا جديد فيه غير ضباط قدموا الى المدرسة وهم جدد بالنسبة لنا وتحويل غالبية من كنا نعرفهم من ضباط العام الماضي.
كان الوقت فصل صيف والزملاء متعبون من الدراسة وأيام من البحث عن أخبار التدريب العسكري بالمدرسة وشحن النفس بأهواله ذهنيا,, لذلك كان السبيل الوحيد للبحث عن راحة قبل العودة لجلاد تعب التدريب هو الطلب من الله أن يغمر روصو بإمطار غزيزة،وبالفعل رفعت الأيدي إلى الله بالضراعة من طرف بعض الزملاء فاستجاب الله لنا.
بتنا تلك الليلة في راحة لا مثيل لها وجو لطيف غذته نسائم صيف بللتها أمطار منهمرة لا يملك احد سلطة توقيفها او توجيه سحها المعطاء.
في صباح الغد كان علينا فقط أن نواصل الراحة نظرا للمستنقعات الكبيرة التي خلفتها الأمطار في الثكنة فصرنا فقط نذهب في بذلاتنا الرياضية الى المطعم لتناول وجبات الإفطار والغداء والعشاء ودام الآمر حتى نهاية الأسبوع .
في يوم السبت 6سبتمبر 2013 بدأنا رحلة التدريب العسكري الجديد حيث قامت الإدارة بتجريف المياه بكل الطرق لتكون راحة العالم والممرات المؤدية إليها وهي المتحكمة للتدريب جاهزة بسبب ما عرفته من أمطار منذ مقدمنا .
كان في انتظارنا ضباط جدد لم نكن نعرفهم مطلقا في مقدمتهم الملازم أول المرحوم أحمد سالم ولد انجيان الذي عين قائدا للسرية الثالثة التي كنت أنتمي اليها وفي الفصيلة رقم واحد منها.
كان ذلك الشاب الثلاثيني رحمه الله يفيض حيوية نادرة ويتمتع بدماثة أخلاق نادرة وبمستوى علمي راق جعله من أكثر المدرسين بالمدرسة العسكرية للدرك بروصو سواء بالعربية او الفرنسية. وقد علمنا أنه قدم قبل فترة قبل وصولنا الى روصو حيث كان في تدريب عسكري بالجزائر.
رحمه الله كان صارما وذكيا ونشطا وحريصا على أداء عمله بكلف مهارة واقتدار رفكثيرا ما يبيت الليا لي الطوال مسؤولا عن الحراسة ويبيت يتفقد اماكن سكننا ويوقطنا 5:30 صباحا رغم أنه كان معنا في التدريب طيلة النهار في اليوم السابق.
افتقدنا زملاء ضباطا في الدرك حولوا تلك السنة كنا نعول على مدى تفهمهم وتعاوننا في التدريب في مقدمتهم الملازمان :مدير التدريب السابق سيدنا عالي الذي أصبح قائد لكتيبة الدرك في ازويرات ومحمدالامين قائد السرية الثالثة الذي حول الى "لميا" في أطار.
من خلال الأنباء الأولى عرفنا ان التدريب العسكرى هده السنة هو نفسه كما العام الماضي مع زيادة بعض العلوم العسكرية والتعرق على أنواع جديدة من الأسلحة مع تعميق بعض الدروس النظرية في مادتي"السلاح والقتال"في الميدان.
كان مدير المدرسة الجديد العقيد أحمد ولدأعليوته صارما حيث ابلغنا في الاجتماعات الأولى معه في مدرج المدرسة صحبة الضباط ان التدريب هذه السنة يكون صارما وستكون حريتنا مقيدة في الذهاب للطبيب ومنع همن إعطاء أي اذن بالراحة إلا في حالات نادرة ومنع التجول في ساحات المدرسة وضبط أوقات النوم والاستيقاظ الصباحي وتناول الوجبات والالتحاق بالوحدات العسكرية خاصة صباحا وزوالا،واحترام الانضباط والنظافة خاصة داخل الغرف.كما شدد علينا في ضرورة الحفاظ على الظهور بالأزياء العسكرية ونعلها بصورة لائقة أي ما يسمى "الظهور الأنيق دائما" مع الحرص على الحلاقة والنظافة الدائمين.
وطبعا كل هده الأشياء لم تكن مضبوطة بالقدر الكافي في العام السابق ،كما برمج زيادة العقيد مع ضباطه برنامجا لتنظيف داخل الثكنة وذلك من خلال عملية نظافة يومية صباحية"اللقط" بعد الافطار الصباحي" وعملية اللقط بعد الغداء وهنالك مساعد أول مكلف بمتابعتها.
ومن الأمور التي ضيقت علينا في هذه السنة غلق الحانوت الوحيد في الثكنة حتى الليل حيث يفتح مابين 22:00 الى 00:00ومنع جلب أي حاجة لنا خاصة من طرف الحراس،كما منع إعداد الشاي في الغرف ايضا حتى في وقت الراحة نهارا وفي الليل..
وكان من أكثر المفاجئات المقلقة هي الزيارات المفاجئة التي بقوم بها العقيد مع بعض الضباط للغرف كل خمييس للاطلاع على النظافة والانطباط داخلها .
كما تم تحريم الحركة بأي نوع من الحرية في كامل المقاطع والساحات المحاذية لساحة رفع العلم ومنع المرور بالقرب من الإدارة أو زيارة الحانوت في الثكنة قبل افتتاحه ليلا،وكذا المطاعم في غير وقت الغداء أو العشاء ونزعت الشاشات التلفزيونية منها .
لكن ورغم كل تلك الإجراءات الصعبة ا فرج الله بأن كان شهر سبتمبر هذا ممطرا وربحنا الكثير من الأيام في الراحة بفعل تعطل الحركة في الثكنة بسبب مياه الأمطار.
وهكذا كان لزاما على قيادة المدرسة أن تراعي مثل هذه الظروف وتختصر برنامج دورة التدريب في هذه السنة نظريا وتطبيقيا
فرج الله الكرب عنا.. وكان...
يتواصل
بقلم :محمد ولد محمد الأمين
ملاحظة : لفهم هذه اليوميات في جزئها الثالث من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 66حلقة والثاني تحت عنوان :"رحلة البحث عن الوظيفة الرسمية في 55 حلقة".
ولمن يرغب فيهما أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني. الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com