بحث التحضيرللرئاسيات مع الامم المتحدة والاتحاد الأروبي :|: السيدة لأولى تنظم حفل إفطارلمجموعة من الأشخاص ذوي الإعاقة :|: النيابة العامة تستأنف الحكم في قضية قتل الصوفي :|: حزب التكتل يدين سجن ولد غده :|: مواعيد الافطارليو م18 رمضان بعموم البلاد :|: وزيرالدفاع وقائد الاركان بزويرات ..قبل زيارة الرئيس :|: منظمة الشفافية تندد باعتقال رئيسها وتطالب بإطلاق سراحه :|: تكوين لمفوضي وضباط الشرطة حول القوانين المجرمة للعبودية :|: منظمة الشفافية تندد باعتقال رئيسها :|: اتفاق مع شركات عربية لاستغلال حقلي "باندا" و "تفت" للغاز :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

الموعد الأنسب لممارسة الرياضة في رمضان
من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
مرسوم يحدد صلاحيات الشرطة البلدية
تعيينات هامة في قناة الموريتانية
الاعلان المشترك : شراكة استراتيجية تؤسس لعلاقة جديدة *
توقيف لصوص سرقوا 60 مليون أوقية من شركة بنواكشوط
الوجيه والسياسي عبد الحي ولد محمد لغظف يطالب من مقاطعة تامشكط بمأمورية ثانية لرئيس الجمهورية
ما أقصروأطول ساعات الصيام في رمضان 2024/1445؟
دولتان عربيتان بين أكبرمنتجي ومصدري الطماطم عالميا
ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟
 
 
 
 

هل ستأتي موريتانيا الجديدة من خارج التاريخ؟

samedi 25 avril 2009


أحمد ولد هـارون ولد الشيخ سيديا
ahmedharoune@gmail.com

يسعى هذا المقال إلى اختبار تلك الفرضية القاضية بأن رياح التغيير قد بدأت تعبُر أرضَ موريتانيا، ومناقشة مشروع "موريتانيا الجديدة" الذي ينادي به الجنرال محمد ولد عبد العزيز، متسائلا ما مدى قابلية هذا المشروع للتطبيق والبقاء؟ وما عِمادُه وما هي عراقيله؟ وماذا قبْل "موريتانيا الجديدة" وماذا بعدها؟

حقيقة ُ وجود مناخ سياسي مخالف لما مضى، وإن كانت انطباعية إلى حد ما، إلا أن حضورها اليومَ وانتشارها في الذهن الموريتاني كفيلٌ بجلب ألباب وأقلام المتابعين للأمر العام، سِيَمَا وأنَّ المتابع هنا من أول من ارتكب "خطيئة الافتراض" القاضي بأن تغييرا ما سيحدث على يد هذا الضابط السامي الذي استولى على الحكم بالقوة وأطاح برئيس منتخب، وأن للرجل كلاما في التغيير والإصلاح يتجاوز شفتيه !

وفي موقف مثل هذا من الخطورة والقرابة الفنية مع ما يسود من مجاملات مفرطة وغير مؤصلة للحكام من جهة وانتقاد سطحي لهم من جهة أخرى، لابد من بعض التساؤلات التمهيدية :

هل كانت موريتانيا في الفترات السابقة تنتهج أو في طريقها إلى انتهاج الأسلوب الديمقراطي الصحيح والمنتج؟ وهل هددت الديمقراطية الموريتانية في فتراتها الماضية أوكار الظلم والغبن ومراكز الفساد الإداري والعقم السياسي؟ وهل حصنت هذه التجربة أركان الدولة وثوابت المجتمع؟ هل تم تقسيم أو إعادة تقسيم الثروة الوطنية؟ وهل سُئل عن مصير الميزانية وخيرات البلد؟ وهل أعيد النظر في جدوى المشروعات باهظة التكاليف وعديمة المنفعة وهل أعيد توجيهها؟ هل كان أيٌّ من قواد البلاد ورجال السياسة قد ربط نفسه ربطا واضحا ومصيريا بأجندة الإصلاح ومواجهة الفساد وأهله المتنفذين؟

كثيرا ما سألني القراء الكرام : كيف يمكن للمرء أن يعقد - عن وعي - آمالا وطنية ويثق في عسكري غير شرعي أو مجموعة من العساكر اغتصبوا السلطة وترفضهم القوى الدولية والإقليمية وتعارضهم الطبقة السياسة المحنكة وتضع أمامهم العراقيل؟ وأنا أتساءل : لو حدث أن عُرض مشروع "موريتانيا الجديدة" على الشعب الموريتاني واختاره بحرية، هل ستكون قصة الشرعية بالنسبة له قد حُسمت؟

ولاشك أن الدولة والمجتمع يحتاجان إلى قواعد قانونية وأدبية وسياسية ثابتة وناضجة على أساسها تُفصل النزاعات وتَحتكم الأطراف، لكن الشعب الموريتاني - وبدون شك - يبقى هو الفيْصَل الأخير وصاحب الحق الأول في اختيار سياسته ومصيره.
وإذا ابتعدنا قليلا عن المقاربة القانونية إلى النظرة السياسية المتمحِّضة، فحسبُـنا أن نتأمل هذا التراجع اللافت في إيمان الموريتانيين بالأنظمة المتعاقبة ووسطاءها السياسيين وبالأحزاب والرموز السياسية والمنظمات غير الحكومية، ونرى كيف تزعزعت ثقتهم في المعارضة والموالاة على حد السواء، لندرك أن من الصعب عليهم إضاعة أي وسيلة للتجديد والانتشال من حالة التخبط والتخلف والجهل والجوع.

فالقارئ سيستغرب معي ـ والحال هذه ـ أنْ يبخل الإنسان الموريتاني العادي على نفسه بتقبُّـل وتجريب نظام سياسي هجومي وحاسم، يتبنى نقاطا محددة يمكن محاسبته على أساسها سلبا أو إيجابا... إضافة إلى مواجهته المفتوحة - والتي لم تنته بعد – مع بعض من أصحاب السياسات القديمة الموسومة بالعقم إن نجَت من الفساد ! وهذا بالذات هو المُغزَّل عليه في التوجه الجديد.
في كتابات سابقة حول الموضوع لصاحب المقال، يوجد طرح مركزي يتكون من نقطتين :

مفادُ الأولى، أن المحاولات الفاشلة لبناء وإعادة بناء الدولة الموريتانية، ارتبطت - إلى حد بعيد – باعتماد الغادي والآتي من حكام البلاد على عنصر سياسي واحد، ظل يهيمن على قنوات التأثير ومفاصل الإدارة، ويستبعد كل ما مِن شأنه تغيير قلب الدولة ووجهها أو إشراك المخالفين في الانتماء والأسلوب... ولذلك لما دخل هذا العنصر في مواجهة مفتوحة مع النظام الحالي، تولدت آمال حذرة، تراهن على استعداد النظام الجديد للمجابهة وقدرته على تفتيت مكونات النظام القديم.

ومفاد النقطة الثانية، أن التعويل اليومَ في موريتانيا على الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لإنجاز الحداثة والتنمية والديمقراطية، تبيَّن أنه ضرب من ضروب العبَث... وأن من بقي من الموريتانيين مؤمنا بإمكانية عبور رياح التغيير أرض موريتانيا، يدركون جيدا أن نقطة الانطلاق في هذا المنحى لن تتجسّم إلا في أحضان سلطة وطنية محترفة، لها من الإرادة والقوة والهجومية ما يؤهلها لإعادة النظر في جوهر الأشياء وسلوك الدولة وأهدافها.

حياة سياسية بادئة ومجموعة حزبية منتهية
ثلاث ظواهر كفيلة بإعادة النظر في حركة وعلاقات ومضامين الأمر السياسي الموريتاني :
أولاها، أن جميع الشرعيات التي لا تنتج ولا تجدد، أصبحت تتزعزع بسرعة خاطفة في أذهان الموريتانيين، بما ذلك الشرعية الديمقراطية نفسها !

إذْ على الرغم من كل انطباع حسن حظيت به ديمقراطية موريتانيا داخليا وخارجيا، إلا أن هذه التجربة شكلت امتدادا سلسا للظلمات السياسية السابقة لها، فما كانت إلا حالة استثناء أخرى وضعف. وما ذاك إلا لعدم ارتباطها بالمستوى السياسي والاجتماعي الملامس للهم الوطني الحقيقي.

والظاهرة الثانية، تتمحور حول عجز الطبقة السياسة عن تحسين أدائها والتحرك خارج الحلقة المفرغة القديمة المملوءة بالعقم والركود، بلْ إنها أصبحت عاجزة حتى عن التوقف في وسط الهاوية التي تهويها منذ منتصف سنوات التسعين.

فبعد ثمانية عشرة سنة من التعددية الحزبية والسوق السياسة الحرة إلى حد الفوضوية، لم يعد لمجمل الحضانات السياسية الحالية تأثير يذكر في اتخاذ المبادرات وتطوير الحياة السياسية. وبات من البيِّن بنفسه أن المعارضة والموالاة - على حد سواء - قد فشلتا في أداء رسالة سياسة منتجة وذات بال، مكتفيتين بالمعيشة الضنك على ما يتناثر من مائدة الأحداث اليومية السطحية وردات الفعل السطحية والروتينية على النشاطات الحكومية أو بالأحرى النشاطات الرئاسية.

المعارضة القديمة تأسست وربطت نفسها بمهمة القضاء على نظام الرئيس الأسبق السيد/ معاوية ولد الطايع أو إضعافه، لكنها لم تفلح إلا في تقوية هذا النظام وتجميل صورته الديمقراطية والتعددية أمام العالم. أما جيلهم من الموالاة، فلم يفلحوا يوما أو حتى يفكروا في توجيه الحكام والإدارة نحو شيء من الإصلاح والتجديد. بل نشروا ثقافة الجمود وحتى الرجوع إلى الوراء وإهمال خدمة المواطنين وتدمير الإدارة ونهب الميزانيات وإقصاء الشباب وغبن الطبقات الضعيفة.
أ

ما الظاهرة الثالثة، فتتلخص في هيمنة سياسية أفقية وعمودية لشخص الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي أصبح في آن واحد قلبا وواجهة وناطقا باسم النظام السياسي الجديد بشقيه المدني والعسكري. مقابل الانكماش الملاحظ في الأدوار السياسية لبقية الفاعلين، موالاة ومعارضة.

آثار الخطاب الجديد والتحولات الأخيرة مازالت تلقي بتداعياتها على البيئة السياسية العامة في البلاد. فالعلاقات السياسية في موريتانيا تنزَع اليومَ نحو إلغاء الأقطاب السياسية القديمة وتفتيت محاور النفوذ لإعادة تقاسمها. ومن هنا ستتعرض التنشئة السياسية الأولى لخطر واضح، خصوصا بعد أن اتفقت "المعارضة القديمة" و"الموالاة القديمة" أخيرا على الرفض الراديكالي لما تتجه الدولة والمجتمع نحوه هذه الأيام، مما يسهل إصابتهما برصاصة واحدة. مع العلم أن الأحزاب الأيديولوجية والأحزاب التي تدافع عن قضية محددة، هي أحزاب لها في الغالب من التجربة والتماسك ما يؤهلها للانعطاف السريع وإعادة التكيف مع أي واقع سياسي واجتماعي جديد.

وودِدْتُ هنا أن أعتذر للقارئ الكريم عن الاضطرار أحيانا إلى الاعتماد على الملاحظة والانطباع والحقيقة الإعلامية والشعبية وما يُتداول في الأوساط السياسية من معلومات ليست بالمؤصَّلة... وما ذاك إلا لأننا قوم أولو ثقافة شفوية مُتمَحِّضَة، لا نكاد نرى في هذه البلاد وثائق أو إحصاءات ولا دراسة أكاديمية ولا تقرير استراتيجي حول أي من مجالات الحياة، وخصوصا مجالات الفكر والعلم السياسي والاجتماعي. ولَـكَـمْ استهزأ أهل السياسة والحكم والإدارة فينا بكل ما هو فكري أو علمي أو مدون... وكأننا الشعب الوحيد من شعوب الدنيا الواثق من قدرته على بناء دولة حديثة معتمدا على شيء من ارتجالات البدو وخَطرات الجهَّال.

قلاقل موريتانيا الجديدة ومصاعبها :

حقيقة وجود مناخ سياسي جديد، لا تُخفي أن لدينا على الجانب الآخر رأيا نافيا لهذا الموقف من رأسه ويعتبره إحدى الكُـبَـر ويحاربه بكل قواه، كما لا تخفي أن هناك صعوبات وعراقيل لا يمكن إهمالها.

فعلى المستوى الدولي، تبين أن الاتحاد الإفريقي، من أكبر أوكار البيروقراطية الدولية، وأن بداخله من الفوضى وميوعة الضوابط ما يتيح المجال لأي دولة عضو أو غير عضو أن تلعب لعبتها كما تشاء ضد التوجه الجديد، حتى ولو كان ذلك على حساب أكثرية الموريتانيين.

وبدلا من أن يوصل الاتحاد الإفريقي - بوصفه منظمة قارية - صوتَ الأكثرية السياسية في موريتانيا إلى الأوربيين والعالم ويفسر لهم الأحداث بشكل واقعي، طفق هذه المنطمة تعرقل المهة. إذْ من الصعب على الرأي العام الغربي أن يفهم إزاحة عسكري مسلح لمدني منتخب، لكن الأفارقة يعرفون جيدا الانقلابات العسكرية بأنواعها.

ومع استلام ليبيا رئاسة الاتحاد، بدأ هذا الأخير يلعب دوره الطبيعي، لكنْ على مستوى الرئاسة فقط. أما الهيئات الأخرى فمازالت تتحرك بشكل غير واضح وتميل مع ميول بعض الدول الأعضاء والأجنبية، متأخرة بأشواط عما قطعته هيئات ودول الاتحاد الأوربي من تفهُّم ملاحظ للترميم الديمقراطي عبر انتخابات رئاسية جديدة. ليبقى الموقف الأمريكي حتى الآن غامضا، وسيزداد بلا شك صعوبة إن وجد دفعا عدائيا من الإسرائيليين واللوبي اليهودي في العالم.

أما على المستوى الداخلي، فمن أخطر العوائق، أن هناك جهات وعناصر مؤيدة للتوجه الجديد، لكنها من صميم الماضي أسلوبا وتفكيرا. وهؤلاء سيئو السمعة ويعرفهم الشعب الموريتاني تماما مثل معرفته للمعلوم من الدين بالضرورة. وأنا أتساءل : ألا يرى الجنرال محمد ولد عبد العزيز أن التغيير لن يتقدم ويحصل على الثقة التامة إلا بإقصاء من تبقى من هؤلاء "المصلحين بالفال" إقصاء نهائيا؟ مع العلم أن إقصاء هؤلاء بتدرج معقول وغيرُ ذلك من أساليب التطهير الذكي والفعَّال، أمر مقبول سياسيا ومازال مؤملا في الجنرال، بعد انتخابه وتفرغه وشروعه في تنفيذ برنامجه المراهَن عليه.

عراقيل بنيوية :

ما كان لموريتانيا ولن يكون لها أن تأتي بإنجاز من خارج التاريخ والجغرافيا... والتحضير الفعلي لموريتانيا الجديدة وما يتطلبه ذلك من عمران سياسي ذي عمْق، يحتم علينا أن نوقف الحلم القديم ونستيقظ من سُبات دام نصف قرن، لنرى ماذا قدمت الدولة الحديثة وما وصل إليه حتى الآن هذا الكيان السياسي الذي حد المستعمر حدوده الصعبة وحدد مساحته الواسعة وسلمه لمجموعة قليلة من البدو الظُّعّن، ليس لهم ثقافة كبرى في الفقه السياسي ولا تاريخ يُذكر في الخضوع لسلطان الدولة المركزية.

وأنا من الذين يميلون إلى المصارحة والمكاشفة في هذا الباب، ويطرحون أكثر من استفهام حول قدرة الموريتانيين على بناء دولة حديثة ترقى إلى أدنى مستويات الدول المعاصرة والمجاورة وتأسيس إدارة خادمة مستديمة وحماية أمنية محكمة لإقليم تزيد مساحته على مليون وثلاثين كلم مربع وتحصين حدوده مع إفريقيا والصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي من كابوس الهجرة ومخاطر الإرهاب والتهريب ومنع الدول ورؤوس الأموال الأجنبية من التسرب إلى اللعبة الديمقراطية والحياة والنيابية... معتمدين في كل ذلك على ما يتاح في هذا البلد من أسس بدائية للدولة وبنية سياسية متخلفة ومصادر بشرية قليلة وغير مؤطرة سياسيا.

أما التحديث الموسمي والتغيير على مستوى الرجال وتجديد العناصر البشرية العاملة في السياسة والإدارة والإعلام، والتقليل من وطأة التخلف والجهل والجوع ومحاربة الغبن المالي والظلم السياسي، فذاك أمر آخر أيسر، وما أراه إلا واردا وملحّا ومتاحا أيضا على المدى القريب في ظل حكم جديد صلبِ المُنّة ومستعد للمجابهة... وعندئذ ربما يتسنَّى للموريتانيين "الجُدد" أن يحضروا - من داخل التاريخ واللى المدى البعيد والمتوسط - لموريتانياهم الجديدة.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا