تعاني جمهورية مالي من أزمات سياسيّة متعددة الأبعاد منذ الانقلاب العسكري الأخير في الثاني والعشرين من مارس الماضي الذي أطاح بنظام الرئيس آمادو توماني توري؛ فهذه الدولة تشهد انفصالا تامًا بين شمالها وجنوبها منذ سيطرة حركة تحرير أزواد (المشَكَّلة أساسًا من الطوارق) مدعومة ببعض الجماعات المسلحة ذات التوجه السلفي على الجزء الشمالي من البلاد، وفي الجنوب ما زالت العاصمة باماكو تعيش على وقع الهزات الارتدادية للانقلاب العسكري الأخير الذي ألغى جميع المؤسسات الدستورية في البلاد، هذا على الرغم من الاتفاق الذي رعته المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) مطلع شهر إبريل الماضي، والقاضي بتسليم السلطة لرئيس مدني انتقالي وتشكيل حكومة شرعيّة.
واليوم وبعد مضي أكثر من شهر على توقيع هذا الاتفاق مازال هذا الرئيس المدني وحكومته الانتقاليّة يتلمسان طريقهما بصعوبة في ظلّ صراع محتدم بين معارضي ومؤيدي الانقلاب.
أبرز تجليّات هذا الصراع هو محاولة السيطرة على القصر الرئاسي مطلع شهر مايو الجاري، التي قادتها مجموعة من الجنود المظليين الموالين للرئيس المخلوع آمادو توماني توري ، والتي تم إفشالها بعد ساعتين من المواجهات الدامية مع القوات الموالية للانقلابيين بشوارع باماكو.
هذه المناسبة كانت فرصة لظهور النقيب سانوغو – الذي يفترض أنه أصبح القائد السابق للانقلاب – على شاشة التلفزيون الرسمي ليطمئن المواطنين باستعادة الهدوء والأمن، بينما التزم الرئيس الانتقالي ديوكوندا تراوري الصمت طويلا. وهو دليل واضح – إن كان ثمة حاجة لذلك – على أن "الطغمة العسكريّة ما زالت هي الفاعل الأبرز على الساحة، وأن لها أدواتها وأذرعها الخفية التي تحركها عند الاقتضاء" يقول أحد المحلين السياسيين.
هذه الحقيقة تدركها تمامًا مجموعة (الإيكواس) التي تحاول جاهدة الإبقاء على شعرة معاوية مع قادة الانقلاب في مالي، والتعاطي بمرونة مع الوضع القائم، في ظل سياسة الأمر الواقع.
فبعد أن قررت مجموعة الايكواس نشر وحدات عسكريّة تابعة لها على الأراضي الماليّة، تراجع قادة هذه البلدان عن القرار المذكور نظرًا للمعارضة القوية لقادة الانقلاب في مالي لهذه الفكرة.
والمؤسف هنا – يقول أحد الدبلوماسيين في باماكو – أن الطبقة السياسية في مالي انشغلت بصراعاتها الداخليّة عن التفكير الجدي في مواجهة خطر التقسيم التام الذي يهدد وجود ووحدة الدولة الماليّة.
في ظلّ هذه الوضعية إذن لا أحد على الإطلاق في الجنوب يبدو مهتما بما يجري في النصف الشمالي من البلاد، الخاضع لسيطرة حركة تحرير أزواد ( الطوارق ) المعادية للسلطة المركزيّة في باماكو، والتي سيطرت على شمال البلاد خلال شهر مارس الماضي، بعد هجوم خاطف على القوات الحكوميّة.
وكما هو الحال في الجنوب ، فإن الشطر الشمالي من مالي لا ينعم هو الآخر بالأمن والاستقرار نظرًا للصراع الخفي بين الإخوة الأعداء (سادة الشمال حاليا) حركة تحرير أزواد العلمانية، وحركة أنصار الدين السلفية المحسوبة على تنظيم القاعدة، ولعل الشيء الوحيد الذي يجمع هذه الفصائل المسلحة هو معاداتها للنظام في باماكو.
وفيما تنشغل الطبقة السياسيّة في الجنوب بالصراع على السلطة، تواصل حركات التمرد في الشمال تعزيز قدراتها العسكريّة، حيث ارتفع عدد عناصرها من 1500 مقاتل خلال شهر يناير الماضي، إلى 6000 مقاتل حاليًا.
الحقيقة المؤكّدة في ظل المتغيرات المتسارعة للوضع في جمهورية مالي - بحسب الأمم المتحدة – وفي ظل المواجهة المفتوحة بين دعاة استعادة الشرعية ومؤيدي الانقلاب العسكري، وتنامي نفوذ وقوة الجماعات المسلحة في الشمال، هي أن هذه الأوضاع باتت تشكل اليوم أكبر تهديد للأمن والاستقرار في منطقة الساحل برمتها.
المصدر :اسلام توداي