النظام الليبي الثوري ـ الشعبي، له رصيد معتبر في دعم قضايا الوحدة والعروبة واللغة العربية وحتى الاهتمام بقضايا القارة الإفريقية والثورات في العالم الثالث. ولذلك تفاعل مع تلك المواقف كثيرون ولو لم يكونوا من المنخرطين في الهيئات الثورية الليبية ولا من المرتبطين بالنظام عضويا، ومنهم كتاب ومفكرون وسياسيون في المغرب الكبير والمشرق العربي وحتى أوروبا.
لكن ما يجري الآن في شرق ليبيا، لا يمكن لأي كان السكوت عليه، وإلا كان مشاركا في دماء الليبيين في بنغازي وأجدابية والبيضاء.
كان على النظام الليبي أن يفهم ما يجري في البلدان العربية الاخرى، حقا أو باطلا، وأن يستعد له باكرا بإعطاء حريات سياسية واجتماعية جدية، ومنها منابر تقوم مقام الأحزاب لكل الحركات والجهات.
لكن عزل بنغازي وأهلها منذ 1994 وما تلاها، والتضييق عليهم، أنتج مرارة لا حد لها، وها هي تنفجر من جديد، لتحرق سهول الشرق والغرب والوسط، ولو بعد حين.
بعد أزيد من أربعين سنة، وفي ظل التحولات الجارية عربية، والتي يزيدها الضخ الإعلامي اشتعالا، كان على النظام الليبي أن يقوم بتحول جدي، وأن يفعّل ما بدأه سيف الإسلام وجماعته من مصالحة ورفع مظالم ورد حقوق.
الظاهر أن الجناح الثوري، "الراديكالي" دفع بالأمور إلى الأسوء، وغرر بالنظام عبر الشعارات والهتافات، وكانت النتيجة سريعة حيث أنتجت الانفجار، وها هي معارك شرسة تدور بين رجال الشرق الليبي، المعروفين بشجاعتهم وشراستهم، وبين قوة النظام ومن يستخدمهم من الداخل والخارج.
لا شك أن ليبيا مجتمع قبلي، ومتداخل سيسيولوجيا، لكن بذور الخلاف قبل الثورة وبعدها، قد اتسع خرقها على رتقها، ولم يعد بمكنة السياسات الارتجالية والتسكينية حلها أو الحد من تداعياتها.
الاحتمالات مفتوحة، إما القضاء على الانتفاضة وبخسارة فادحة، في الأرواح والأجساد، وإما انقسام ليبيا إلى معسكرين، أغلبه من الشرق ومن أمازيغ الزنتان ويفرن وغيرها، ومعسكر الغرب بقيادة معمر القذافي وانصاره ورجاله وداعميه ومجموعات من الساكتين عن الصراع، في نوع من الحياد الغامض.
وفي كل الأحوال فالنظام الليبي الحال انتهى عمليا، لأن الثورات عندما تندلع، وفي سياق تاريخي مواتي، لا يمكن وقفها، وستشتعل وتشتعل، إلى أن ينتهي النظام في حرب أهلية أو بنهاية سريعة غير مسبوقة.
على قائد الثورة الليبية حقن دماء أهل بني غازي والبيضاء ويفرن وغيرها، والانسحاب من المشهد السياسي بحوار غير مشروط مع المنتفضين، وإلا فإن النظام ولو خرج "سالما" من الانتفاضة، سيكون قد استهلك رصيده القومي وفتح بابا من الشر لن يغلق أبدا.