وعاد الرئيس ؛ الذي قال سماسرة المدينة الذين لبسوا أثواب السياسة من زمان : انه صار رفيقا لقارظي عنزة ؛ وانه لن يؤوب حتى تسود مفارق ثوارنا العجائز أو يشيب الغراب .
عاد..بشحمه ولحمه وصحته ووجد أمامه أهل المدينة قد أتوا رجالا وركبانا وفرسانا ، وعلى كل ضامر وأبلق ، ليقولوا : هنيئا لك العيد الذي أنت عيده.
عاد.. فأهطع مرجفوا المدينة والتقموا حجرا من العيار الثقيل سيجدون وقتا طويلا قبل أن يعرفوا كيف يتعاملون معه.
عاد.. وكل القلوب “حمد وشكر” للبارئ، الذي رد إلى الأرض ابن الأرض وحبيبها ،وتبارى مواطنو الرجل في ترديد أنواع الحمد لربهم.
عاد.. و لسان حال شنقيط :أبا خالد ضاقت شنقيط بعد كم وقال ذوو الحاجات اين”عزيز” وما لشنقيط أن لا تضيق ، وفتاها المقدام طلاع الثنايا،رفيع العماد ،عالي الكعب، أبو ضعفائها والابن البر لشيوخها،قد فارق المنكب الذي لم يعد سائبا ، في رحلة استمرت أربعين يوما.
أربعون يوما… والأرض تسأل ، والسماء تسأل ،والأطفال يسالون ، والكهول يسالون ، والرجال والنساء يسالون ، أين ابن الأرض وحلمها ، أين ابن عبد العزيز؟ ويدعون ربهم : إلهنا كن له فقد كان لنا ..و”كان أبا كبيرا”.
وفي يوم معتدل الجو ، شارك فيه المناخ سكان انواكشوط فرحهم باستقبال قائدهم، فقد كان يوما غابت فيه حرارة الشمس ، التي استعارها منها مستقبلو الرجل في استقبال حار مهيب ، يليق بالمقام ، في ذلك اليوم ،عاد محمد ولد عبد العزيز، وحق لسكان شنقيط وجيران شنقيط ومحبي شنقيط : ان يفرحوا.. فقد آب لشنقيط فخرها ،وربيعها، وكهف أراملها، وثمال يتاماها ، وفي السنين محمدها.
عاد الرجل .. بنفس الأسلوب الذي عهده مواطنوه الذين أحبوه، أريحية لم يفقدها مطلقا، اختلاط بجموع المستقبلين حد التماهى، الأمر يبدو وكأنه أكثر حميمية من علاقة حاكم بمحكوم، فقل إنه فرح أسرة بابن عزيز،عاد من رحلة علاجية ،بلغت قلوب الأسرة حناجرها،خوفا عليه فيها ، وقديما كان الشفيق بسوء الظن مولعا لولا الرجاء.
موريتانيا، الأسرة الكبيرة التي تستقبل ابنها ، وجهت رسائل عميقة إلى الجميع ، الأغراب ، والجيران المسامتين ، وآخرين من دونهم ..
كانت أولى الرسائل : هي أن العيون لا ترنو إلا لمن أقر أناسيها ، وأن القلوب لا تخذل من ملكته سويداء ها، وأن الوفاء طبيعة من طبائع الشعوب التي لا تتخلى عن من أحسن إليها في رخائه ،حين يتعرض لمحنة .
ثانيها : إلي “السامريين”في المدينة :أن عجولهم وثيرانهم “وثوراتهم” لن تجدي شيئا حينما يتعلق الأمر بمن أحبه شعبه “وقاسمه في ليل أسحم داج عَوْضُ لا نتفرق” .
ثالثها : إلى الرجل نفسه..واصل طريقـَـك فأنت على الصراط القويم ..والدليل احتشاد شعبك لاستقبالك ..ولها رابع ،وخامس ،وسادس..وعاشر، وقد كان مكان القول ذا سعة فليقل كل قائل .