مشاركة متميزة لشركات رجل الأعمال الناجي ولد بكاه في مهرجان تجمع رجال الأعمال الداعمين لترشح رئيس الجمهورية :|: دورة تكوينية حول ضوابط التغطية المهنية للانتخابات :|: البنك المركزي يفوز بجائزة إفريقية حول العصرنة المالية :|: أبرز ماجاء في كلمة الرئيس بالقمة الافريقية :|: مشاركة موريتانية في المنتدى العالمي للاقتصاد :|: مهارة طيارتنقذ طائرة ضخمة من حادث درامي :|: الاقتصاد والسياسة يهيمنان على « دافوس السعودية » :|: الحزب الحاكم يدعو مجلسه الوطني لاجتماع استثنائي :|: تثمين للشراكة بين موريتانيا ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية :|: استقالة نائب رئيس اتحاد قوى التقدم :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
 
 
 
 

48 سنة و 48 شهر/ الدولة والرجال لمن تقرع الطبول ؟ /عيسى ولد الداهي

samedi 30 novembre 2013


منذ سقوط دولة الموحدين منتصف القرن الثاني عشر 1265 و ما تأدى عنه من غياب للسلطة المركزية ، دخل الوعي بالانتماء الجماعي لدى شعوب منطقتنا حالة سبات عميقة كرست لها الصراعات الفئوية والطائفية التي تمخض عنها نوع من الانتماء المشوه ظل معه هذا الوعي يترنح بين الولاء للمجموعة القبلية او الجهوية و الولاء للرجال كرموز تختصر العاملين السابقين.

و بالنظر لواقع العزلة الجغرافية فقد ظلت سيرورة الحركة التاريخية لوعينا الجماعي رتيبة على نهج الانقسام والولاء التائه، بالرغم من نوبات الصحوة القليلة ( الحركات الدينية، ظاهرة الامارات في بعض المناطق و الاحلاف في بعض الاقاليم) التي رسمت ومضات اشرت لنوع من الحس بالانتماء الجماعي وحتمية تأطير هذا الانتماء، لكنها لم تملك الاسباب الموضوعية لخلق وعي بالولاء لغاية مشتركة تنصهر فيها جميع الولاءات المشتته.

في يوم 04/02/1903 كان رفع السلاح في وجه المستعمر الفرنسي النطفة التي ولدت منها الغاية الموضوعية المشتركة التي استقطبت الولاءات المشتته و شكلت مهد الوعي بالانتماء الجماعي و المصير المشترك، لكنه و مع اضمحلال عقيدة العداء للمستعمر كمحرك للضمير الجماعي و بروز الحياة السياسية سنة 1943، ظهرت اختلالات بنيوية عميقة في عقيدتنا بالولاء للانتماء الجماعي و فهمنا وممارستنا لواجبنا اتجاه المصير المشترك.

لقد كانت اليافطات التي نشأت في ظلها حياتنا السياسية عميقة الدلالة على حالة ضميرنا الوطني وقوية الاشارة على مستقبل هذا الضمير، حيث اقتصرت الخيارات المطروحة آن ذاك على ثلاث تيارات اساسية موجهة للرأي العام

1- الانضمام لقطر محدد (المغرب)

2- الانضمام لمحور محدد (السنغال – مالي)

3- البقاء تحت العباءة الفرنسية كإقليم من اقاليم ما وراء البحار

و نحن في تأملنا للوقائع التاريخية قد نتفهم الأسباب الموضوعية لكل طرح، كما قد نتلمس مصلحة كل لواء في استدراج ولاء الجماهير لطرحه، و لكي نكون واقعيين علينا ان ندرك أن حدة الاستقطاب بين هذه التيارات هي وحدها التي فرضت وجود وضع توازن بين الجميع، يقوم على انشاء دولة مستقلة نظريا عن المشاريع السابقة ، تقوم على مبدأ الحيز الجغرافي الذي يستوطنه مجتمع يدين بالولاء له أولا ولمصلحته ومصيره المشترك.

في 28/11/1960 اعلنت الدولة الموريتانية، بناءا على استفتاء شعبي سنة 1958، لكن الضمير الشعبي الذي عبر عن هذا الخيار ، كان لايزال يعيش حالة تناقض ديالكتي بالمفهوم الهيجلي Higle، يغذيها رافدي الولاء للدولة و الولاء للرجال حيث شهدت فترة الاستقلال و مابعده والى عهد قريب نكوص الولاء للدولة و تنامي ظاهرة التخندق خلف الرجال كضامن وكفيل لتطلعات و مصالح الأفراد، و كرست لذالك الديمقراطية العشوائية و الصورية في نهاية الثمانينيات، و توجه السياسة العامة للدولة الى الاعتماد على الرجال النافذين في المجتمع وتمكينهم من آليات التحكم في الحياة العامة سواءا الجوانب الاقتصادية او الاجتماعية و حتى الأستراتيجية والحساسة، مما جعل المواطن يفهم ان الدولة كيان افتراضي يقوم على شبه فدرالية خفية بين كانتونات يتأمرها الرجال، و بحكم الواقع حل الولاء المطلق للرجال و الطموح لولوج الطبقة البرجوازية الضيقة التي تشكلت حولهم محل الولاء للدولة التي قامت على مجتمع من طبقة واحدة (الفقراء)، و عجزت على امتداد 48 سنة ان تتبنى سياساتها من تنمية هذه الطبقة هدفا، ولو دعائيا !

ان الطرح السابق يبرر نتائجه كما يظهر رواسبه، ويجعلنا نتفهم الواقع المرتبك لحياتنا السياسية اليوم، والذي يعبر عنه الحرس القديم يم بالأزمة السياسية و يراه الجيل الجديد معركة إثبات للذات و تحقيق لإرادة التغييرالبناء، في صراع بين إيدولوجيتي المصالح الخاصة والمصلحة العامة، ولنا نحن كقراء نتوخى الموضوعية، أن نقرأ نتائج ممارسة الإديولوجيتين على امتداد 48 سنة من عمر موريتانيا القديمة - دولة الرجال- (1960-2008) و 48 شهر من تجربة موريتانيا الجديدة، دولة المؤسسات ( يوليو 2009-يوليو 2013 ) لنستوضح معالم الطريق الذي تسمح لنا ضمائرنا الحرة ان نسلكه، و نحدد أي الخيارين يجدر بنا ان نقرع طبولنا من أجله.

بالنسبة للإديولوجية القديمة، أي الطرح الذي كان قائما قبل تغيير 2008 فإن التقديم الآنف كفيل بتشخيص الملامح التي تعنينا في هذا المقام، وللإسهاب فإننا نحيلكم الى مقال كنا نشرناه في ابريل 2011، بعنوان الأنتعاش الأقتصادي و عوامل الأستقرار السياسي ، يتناول بالأرقام و التحليل النتائج الكارثية لمجمل السياسات الحكومية المرتبطة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية في الفترة الماضية.

واما لإديولوجيا الجديدة (موريتانيا الجديدة ) فإن ثوب التمرد الاجتماعي المفعم بروح الثورة الشعبية و المبادئ الوطنية الرافضة للوضع الذي كان قائما قبل التغير، و شعار الفقراء و تحطيم سلطة البارونات التي كانت تتحكم في رقاب العامة و تحدي الارادة الدولية (مثلا قضية السفارة الاسرائيلية)، و كاريزما القيادة الثورية التي ظهر بها حاملوا لواء هذه الطرح، كانت كفيلة باستقطاب الجماهير اليه في تأثير اشبه بالمغناطيس ، وهو ماجسدته انتخابات 18/07/2008 و بقى على اصحاب هذا المشروع تقديم نتائج ملموسة تبرهن على جدية الشعارات و صرامة الالتزام بالمبادئ.

قد يجد البعض حرجا في استخدام عبارات ادبية تتحمل الكثير من التأويلات عندما يتناول قضية تتعلق بالشأن العام، لكننا لا نجد هذا الحرج عندما تعبر كلماتنا بدقة عن مدلولاتها ، إنه حقا خارق للعادة ان يحقق نظام واحد في فترة وجيزة (48 شهر) ما عجزت انظمة متعددة عن تحقيقه في فترة طويلة بمفوم المقارنة (48 سنة)، فمنذ الأستقلال وحتى بداية العهد الجديد، ظلت الملفات الشائكة قنابل موقوتة ترتب بأنتظام في خانة المحظورات السياسية وتحت بند المسكوت عنه في السياسة العامة للدولة، و نذكر منها على سبيل الاختصار :

مشكلة ضبط الهوية و الاستيطان والتركيبة الديمغرافية

مشكلة المكونات الإثنية والوحدة الوطنية و الإرث الإنساني

مشكلة التفاوت الطبقي والجنوح للاتجاهات الراديكالية و الوئام و السلم الأهلي

مشكلة التنمية المتوازنة و تقاسم الثروة والعدالة في الحظوظ

مشكلة الفساد المالي والإداري و المحسوبية و الزبونية

وأم المشاكل : هيبة الدولة و نفوذ الرجال فوق القانون

موريتانيا الجديدة و مشكلة الهوية

لا شك أن النسخة الأولى من موريتانيا الجديدة قدمت حلولا جريئة، جذرية و نهائية لهذه الاختلالات الكبرى التي طالما كانت فوهات براكين قد تثور في أي لحظة وتعصف بمشروعنا المجتمعي والى الأبد، فنذكر انه في 05/05/2011 دشن الرئيس مشروع التقييد المكثف للمواطنين و المقيمين من خلال الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة، و في أقل من سنتين كانت النتائج مبهرة حيث سجل حوالي مليونين و ستة مائة آلاف (2600000) مواطن بعد التحقق من هوياتهم، و عشرات الآف من الأجانب المقيمين و أمنة وثائق الهوية والسفر، و ضبطت تدفقات الهجرة باستخدام أحدث التكنولوجيات البيومترية التي تحول دون تزوير الوثائق، و قربت هذه الخدمة من المواطنين في المقاطعات والبلديات والمراكز الادارية والأرياف و التجمعات السكانية وحتى لدى جالياتنا في الخارج، إن هذه الخطوة وحدها كفيلة بعودة الثقة في جهاز الدولة وتعطي إشارة قوية لجدية التأسيس لدولة عصرية (موريتانيا الجديدة) تسيير مجتمع واضح الملامح والتركيبة السكانية ونسبة النمو الديمغرافي، و تسد الباب نهائيا أمام امواج الأجانب التي كانت و على امتداد 48 سنة، تجنس على مدار الساعة وعلى مرأى ومسمع من السلطات الصامته، تحت ضغوط الرجال البارونات المتنفذة وللأغراض السياسية و الشخصية على حساب المصلحة العليا للوطن، و هي ممارسات كانت نتائاجها وخيمة على الحياة العامة حيث فاقمت ماشكل الأمن وأرهقت الخدمات الأجتماعية المتداعية أصلا، وأخطر من ذالك شوهت التركيبة الديمغرافية، و شكلت رافد لأستقواء طائفة محددة مما خلق جو من النقمة و أذكى روح العنصرية والكراهية والتطرف.

موريتانيا الجديدة و مشكلة الإرث الإنساني

في يوم 25/03/2009 أعلن الرئيس محمد ولد عبد العزيز طي ملف الإرث الإنساني والى الإبد، كانت تعاليق جميع الأطراف المعنية إيجابية وعبرت عن الرضى و الإنصاف سواء الجهات المستفيدة او الوصية (الأمم المتحدة ) وكذالك المراقبون المحليون والدوليون ، خطوة أخرى كفيلة بعودة الثقة في جهاز الدولة وتعطي إشارة قوية لجدية إرادة التأسيس لمجتمع متصالح مع ذاته (موريتانيا الجديدة)، وهي إنجاز عملاق في حد ذاته، يخلق أرضية ملائمة لتنمية جدية، و يعزز الوئام والسلم الأهلي.

موريتانيا الجديدة و مشكلة التفاوت الطبقي
منذ وصولها للسلطة 18/07/2009 سعت القيادة الجديدة الى خلق و إعادة تأهيل الطبقة الوسطى، التي تمثل بميسورتها الاقتصادية واستنارتها العقلية، صمام الأمان للتعايش السلمي، والدعامة الاجتماعية الصلبة للتنمية و البناء الديمقراطي الحقيقي، و تجسدت هذه الرؤية من خلال القضاء على العشوائيات(الكزرات) وتمكين الفقراء الكادحين من امتلاك عقارات، وهو حلم كان بعيد المنال، حيث تم نقلهم الى أماكن مؤهلة بالبنى التحتية والخدمات الأساسية للحياة الكريمة، بعد عقود من سكن الصفيح، وتعزز ولوج المواطنين إلى خدمات الماء والكهرباء وتم توسيع شبكة مياه نواكشوط ب 1162 كلم كما تم تزويد العديد من المدن الداخلية بشبكات للمياه،واصبحت50 مدينة اليوم تتوفر على الانارة الكهربائية، و أدخلت مصطلحات لم نكن لنعرفها في قاموسنا السياسي او التنموي ، من قبيل السكن الاجتماعي، وإنشاء تجمعات سكنية و مدن لأهداف تنموية ، هذا بالإضافة الى سرعة وتيرة امتصاص البطالة حيث تراجعت نسبة البطالة من حوالي 40% سنة 2005 الى 10.1 % سنة 2013، بفضل استراتيجيات التكوين المهني، حيث وصل عدد المنخرطين فيه إلى 4810 في 38 شعبة ووصل عدد الخريجين سنة 2013 إلى 1412 ، بالإضافة لسياسة الاكتتاب الشفاف في الوظيفة العمومية ، و دمج حملة الشهادات في المشاريع والورشات التنموية الكبرى، ، كما تمت زيادة مخصصات أكثر من 12 ألف متقاعد وزيادة الحد الأدنى للأجور من 21 ألف أوقية إلى 30 ألف أوقية، فضلا عن زيادة النفقات المخصصة لمكافحة الفقر لتصل إلى 120 مليار أوقية، و تضاعف دعم القوة الشرائية للمواطن من 20 مليار أوقية سنة 2009 إلى 105 مليارات سنة 2012، كما وصل سقف دعم تمويل المقاولات الى 6،8 مليار أوقية ساهمت في خلق 6022 فرصة عمل ، وغيرذالك من الآليات الفعالة، هذا بالإضافة الى النهضة الشاملة التي شهدها قطاع البنى التحتية والخدمات وخاصة شبكات الطرق والمواصلات العامة حيث تم إنشاء شركة نقل عمومي وشركة طيران وطنية ،و تم بناء 360 كلم من الطرق في نواكشوط و2445 كلم في المدن الداخلية ، وانتعاش مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية حيث تم افتتاح 4 مدارس للصحة واكتتاب عشرات الأطباء ، كما ارتفع عدد الأسرة بالمستشفيات من 1450 سريرا إلى 2350 سريرا وارتفع عدد المراكز الصحية من 627 إلى 697 مركزا ومستوصفا .

ويبقى الملفت للأنتباه في هذه النهضة ليس فقط كثافتها و وتيرتها المتسارعة، بل شموليتها لعموم التراب الوطني و إرسائها في محيط الفقراء، و هي إنجازات أخرى، ملموسة، كفيلة بعودة الثقة في جهاز الدولة وتعطي إشارة قوية لجدية إرادة التنمية وتقليص الهوة بين الأغنياء و الفقراء، و الحد من التفاوت الطبقي الذي كان قبل التغيير قد وصل الى مستويات متوحشة، هددت الأمن والسلم الأهلي، وقد اثمرت هذه الإنجازات عن استيعاب النقمة الاجتماعية و انحسار الطبقات الدنيا من الشرائح الاقتصادية الجانحة إلى الاتجاهات الراديكالية في المطالبة بحقوقها، و توسع الطبقة الوسطى حيث يكون الاختلاف و التعايش أكثر تهذيبا.

موريتانيا الجديدة و مشكلة التنمية المتوازنة والعدالة في الحظوظ و الفساد

لقد دأبت الأنظمة السابقة على انتهاج مبدأ العقوبة والمكافأة في توزيع المشاريع التنموية و الصفقات العمومية و التعيين في المناصب السامية في جهاز الدولة وحتى المناصب العادية، في تكريس لمقولة من سار في ركابنا فهو المطعوم و من جفانا فهو المحروم ، لدرجة أن بعض المؤسسات و المصالح التابعة للدولة تحولت الى شبه إقطاعية لمجموعة محددة، هذا النهج كرس للانتهازية من لدن البعض و الشعور بالغبن من طرف البعض ألآخر و بالمقارنة مع التوجه الجديد (موريتانيا الجديدة) نلاحظ الاختفاء التام لهذه الظاهرة الخطيرة، حيث شكلت الحكومة على أسس الكفاءة بعيدا عن التوازنات التقليدية الاجتماعية او السياسية، كما مكنت سياسة محاربة الفساد من استرجاع 427 مليون أوقية ليصل المبلغ المسترجع في إطار سياسة محاربة الفساد إلى مليار ونصف، وليس أحد لا من الحكومة ولا من أي جهاز آخر من أجهزة الدولة يعول على مجموعته القبلية او حلفه السياسي او حوله وقوته الذاتية في الحماية من العقوبة إذا ما هو أخل بواجبه او خان مسؤولياته، ونلاحظ كذلك توزع المشاريع التنموية على عموم التراب الوطني دون تمييز، مما يرفع من الأداء الأقتصادي و يرسي لتنمية مستدامة، كما ان الإصلاحات التي عرفها نظام الرقابة على المال العمومي فتحت الباب واسعا و بشكل شفاف أمام تساوي الجميع في فرص الأستفادة من الميزات التي تقدمها الدولة على أساس القوة التنافسية دون أي اعتبار آخر. و هي إنجازات أخرى، عمليه كفيلة بعودة الثقة في جهاز الدولة وتعطي إشارة قوية لجدية إرادة التغيير البناء، و للتجسيد الفعلي لمبدأ الدولة للجميع، والمصلحة العامة فوق كل الاعتبارات.

موريتانيا الجديدة : هيبة الدولة و نفوذ الرجال فوق القانون

من الطبيعي ان يولد استأثار نخبة بالسلطة الفعلية للدولة على امتداد 48 سنة، و ما يترتب عليه من تهميش واقصاء، الاحتقان والتذمر، لاسيما في صفوف الشباب و المثقفين، و أن يسرع من نضج التطور الطبيعي لوعي مجتمع سئم الارتهان للإرادات الأخرى، لقد كان ذلك باختصار هو ما حدث في 18/07/2009 عندما قررت الجماهير تصحيح مسارها بطريقة حضارية وسلمية وانتهاج الطرح القائم على المشروع المجتمعي للتغير البناء، موريتانيا الجديدة، و كانت تلك الخطوة بالغة الدلالة في رفض المجتمع للعودة الى عهد دولة الرجال، لاسيما بالنظر للحيثيات التي اكتنفت تللك الانتخابات، حيث كانت جميع وسائل التأثير في عملية الاقتراع بيد الحرس القديم، وكان ذالك من الناحية المنطقية كاف ليفهموا أن المعركة قد حسمت.

ان قناعته بالفشل والرفض الشعبي، تجعلنا نتفهم حالة الهستيريا التي يعيشها الحرس القديم، ولجوءه الى التكتل في جبهة واحدة في مواجهة إرادة الجماهير، والارتباك السياسي الذي يعيشه تحت نظرية الأزمة السياسية، و استباحته الميكافيلية لكل الوسائل من أجل غاية واحدة هي تعطيل هذا المشروع المجتمعي الواعد، لأن في نجاحه قضاء ابديا على نظام الإقطاعيات و الاستبداد الذي استمد الحرس القديم قوته منه، و لأنهم يدركون أن نضج وعي الجماهير هو الذي قاد الى الوضع القائم، فقد عمدوا الى تشويه هذا الوعي وإرباكه بالدعايات المغرضة و تصوير النظام على أنه كيان مرعب يسعى للقضاء على الجميع (لأنه من رواسب جبروتهم لم يستطيعوا ان يتفهموا انهم ليسوا الجميع ) ،فتراهم يزعمون انه يستهدف المجموعة الفلانية، والشخصية الفلانية، والشريحة الفلانية ، و يسفهون كل انجازاته، ووصفها على انها محض صدفة ! وكل اساليب الشيطنة التقليدية و غير التقليدية، وربما وصل بهم اليأس الى سياسة الارض المحروقة، وإشعال الفتن والفوضى من خلال استهداف الأشخاص والممتلكات و رموز الدولة ، وهي ممارسات سبق وأن لجئوا اليها ولن تكون آخر الإستراتيجيات الانتحارية في حرب الأستنزاف.

وهنا نقف لنتساءل لماذا كل هذا الهرج ؟ ولمصلحة من تقرع كل هذه الطبول ؟ و أي خطاب يقنعنا بالعيش على الأرض المحروقة ؟

وهل حقا ان 48 سنة من الجلد تكفى ليحتفي مجلود بالذي جلده؟ ولماذا نعطيهم كل هذه الحرية لبث سمومهم و فتنهم ونحن نعلم أن الخبر الذي بثته محطة الإذاعة ’الحرة للتلال الألف‘ في 7نيسان/أبريل 1994 هو الذي اشعل فتيل حرب الابادة في رواندا ؟

و ما ذا ننقم على واقعنا حتى يجندنا الآخرون للثورة عليه ؟ أم كيف ينظر الينا هئولاء الذين خبرناهم وخبروننا ؟

إن ولاء الجماهير هو أصدق تعبير عن خصوصيتها و حريتها و نضجها ، لذالك فهي لن تمنحه الا بناء على قناعتها التي تكتسبها من الواقع الذي تعيشه ، و على الجميع أن يدرك أن الشارع في الانظمة الديمقراطية هو غاية التغيير لا وسيلته، و أن هناك وسائل أخرى متاحة للجميع، وهنا تقع المسؤولية المباشرة على النخب الوطنية،و الشباب، و المثقفين، والسياسيين، والإعلاميين في تهذيب الرأي العام و تحصينه في وجه الدعايات المغرضة،و التغرير، وخلق جو من الثقة و الولاء للوطن، والحماس المتبادل لبناء الدولة على أسس جديدة تنشر العدل وتصون الوحدة الوطنية وترسي لمؤسسات جمهورية راسخة توافرت لها كل مقومات وفرص النجاح.

عيسى ولد الداهي

issadahi@yahoo.fr
00 222 36 69 02 01

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا