مرشحون يتهمون النظام بعرقلة حصولهم على التزكيات :|: مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين موريتانيا والسعودية :|: مسؤول : نتعامل مع ما يجري على الحدود المالية بصرامة وحكمة :|: مشاركة متميزة لشركات رجل الأعمال الناجي ولد بكاه في مهرجان تجمع رجال الأعمال الداعمين لترشح رئيس الجمهورية :|: دورة تكوينية حول ضوابط التغطية المهنية للانتخابات :|: البنك المركزي يفوز بجائزة إفريقية حول العصرنة المالية :|: أبرز ماجاء في كلمة الرئيس بالقمة الافريقية :|: مشاركة موريتانية في المنتدى العالمي للاقتصاد :|: مهارة طيارتنقذ طائرة ضخمة من حادث درامي :|: الاقتصاد والسياسة يهيمنان على « دافوس السعودية » :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
 
 
 
 

محرقة الكتب /بقلم : أبو العباس ابراهام

samedi 28 avril 2012


عاد الأستاذ بيرام ولد اعبيدي للتو من محرقة غزنوية لبعض الكتب التي حكم عليها بتكريس الاستعباد.. لقد أسفرت هذه المحرقة عن أخطاء منهجية وكانت فرصة للعنصريين للتذرع بالمالكية وتصويب السهام على الحقوقي،. و لقد أثار هذا الحدث جدلا يستدعي الدخول.

1

مبدئيا : إن حرق أو تمزيق الكتب، الصفراء أو الخضراء، هو عمل ظلامي يُذكُر فَيُستَنكرُ. و تاريخيا وأيديولوجيا يُعَدّ حرق الكتب في أفعال الجماعات الأصولية وليس التنويرية (وقبل أن يبزغ لي أصولي مالئا يديه بعمليات حرق الكتب من منظور قانوني يتعلق بإعدامات الكتب في حقوق النشر وكأنها حجة مناهضة فإنني أقصد هنا الحرق الاحتجاجي للكتب أو الرافض لوجود الأفكار المُخالفة. و يتعلق الأمر بمنظومة كبيرة تبدأ بحرق القرآن إلى تحريم "الآيات الشيطانية". ما أقصده أساسا هو ما سماه صادق جلال العظم بـ"ذهنية التحريم).

ولم يضر الاسلام شيئا أكثر من حرق الكتب لأن عمليات حرق الكتب أقصت الفكر النقدي و تركت الديماغوجيات الأصولية تعشعش في أذهان الشعب لمئات السنين و تقتل الأفق النقدي في ذهنه. وليس صحيحا أن تيار الاعتزال العظيم انهزم في تاريخ الاسلام بسبب انهزامه سياسيا في عهد المتوكل أو فكريا بسبب التوفيقية الأشعرية أو دينيا بسبب التقليدية الفقهية، الغنوصية بخصوص قضايا القيم المطلقة؛ بل اختفى الاتجاه العقلاني في الاسلام بسبب المجموعات الأصولية التي لاحقت المفكرين وحرقت كتبهم وقتلتهم بنفس الطريقة النازية التي قَتَلَ بها العسكري خالد بن عبد الله القسري المفكر الريادي الجعد بن درهم.

و ليس صحيحا أن عمر بن الخطاب أحرق مكتبة الإسكندرية كما أثبتت الدراسات الحديثة والنقد التاريخي. و بالتالي فإن أول عملية حرق لمكتبة في تاريخ الإسلام هي حرق الأصولي المتعسكر، السلطان محمود الغزنوي، لمكتبة الري البويهية التي كانت في حينه ثاني أكبر مكتبة في بغداد وكانت تحتوي على آلاف الكتب في الاعتزال و المنطق و العلوم الطبيعية و التجريبية، و التي لم تعجب الخليفة القادر بالله والسلطان الغزنوي الذي كان يده الضاربة. وفي القرون اللاحقة تم ترك تصفية المعتزلة والفلسفة للغوغاء الأصوليين الذين كانوا يهاجمون الكتبات و يحرقونها، كما صورهم ابن الأثير، مسترشدين بفتاوي ابن الصلاح الشهرزوري و ابن تيمية.

كان هاينريش هاينة يقول "إن الذين يبدأون بحرق الكتب سوف ينتهون إلى حرق الناس". إن عمليات حرق الكتب هي أصولية طردية تبدأ بحرق الكتب و لكنها لا تنتهي دون رفض الثقافة و الاختلاف وتمظهراته الثقافية. لقد فتح الغزونوي باميان ونواحي أفغانستان البعيدة، و كان أصوليا معاديا للفكر والمنطق و لكن لم يخطر بباله أبدا أن يحرق الآثار البوذية الشهيرة، التي ستنتظر مائة عام عندما سيأتي خفاش الظلام الأكبر، الملا عمر. هنالك فقط تطورت الأصولية في باميان بعد ألف عام عندما أفاق الطالبانيون أنهم يمتلكون قنابل وأن في قربهم تماثيل بوذية. و حدث الانفجار الكبير. و بعكس الغزنوي فإن طالبان لم يختاروا بين حرق الكتب أو تدمير التماثيل؛ بل فعلوا الأمرين معا : فقد أحرقوا ملحمة خسرو شاه و الكتب الشيعية بنفس الحماس الأيديولوجي عند الأستاذ بيرام لأنهم اتهموها بالضلال والزيغ.

إن حرق الكتب، أو تمزيقها، حتى ولو كانت الكتب الاستعبادية أو حتى و لو كانت الكتاب الأخضر، هو عمل تكفيري أساسا. إنه ليس مجرد تصرف احتجاجي؛ إنه عمل معاد للمعرفة.

بالأمس لم يظهر الأستاذ بيرام مناضلا حقوقيا تحرريا كما عهدناه، بل ظهر كأحد غوغاء ابن تيمية الذين يحرقون كتب ابن رشد أو مكتبة عبد القادر الجيلاني بينما عيونهم الجذلة وجلابيبهم المشمورة وتكبيراتهم الراعدة تقضى على آخر سمات الاختلاف في المجتمع، أو كأنه أحد وثوقي وزارة المعارف المصرية التي أمرت بحرق دواوين أبي نواس. لو كان فتح الكتب للملأ وأظهر توطيدها للاستعباد وأفحم ذلك التوطيد وأدان - وهذا هو الأهم- استمرار هذا التوطيد عند فقهاء اليوم لكان فعل حسنا. ومن الغريب أن الهولوكوست الذي أقامه المناضل الحقوقي لعلماء الأمس ترافق مع سكوت عن علماء اليوم في نفس القضية.

2

رغم هذا يجب التوقف قليلا عند ملحمة الأستاذ بيرام في حرق الكتب المالكية. إن الأمر موضع تفكير من ناحيتين : 1- يتعلق بأنصار المحرقة. تفترض محرقتهم ارتباطا سببيا بين المالكية و الاستعباد و؛ 2- يتعلق بأعداء المحرقة : تمت إدانة حرق الكتب باعتباره تدنيسا للمالكية.

إن هذه المسلمات مغلوطة فكريا وتاريخيا و سياسيا كما سنرى.

3

إن المالكية لم تكن مسببا للاستعباد، وخصوصا في موريتانيا. إن ازدهار أول مدينة معتمدة على الاستعباد في تاريخ البلاد حدث في أوداغست التي كانت مدينة شيعية وخارجية في حينه، و ذلك قبل دخول المالكية للمجال. و قد تم إرساء نظام استعبادي تتحكم فيه طبقة تجارية عربية وبربرية تقوم باستغلال العبيد في جنوب المدينة الذين كان يتم استغلالهم في إنتاج النحاس وتكرير الذهب و صناعة الزجاج (انظر حفريات موني في كتاب "تغداوست". تقديم المختار ولد داداه، آخر رئيس موريتاني قادر على الكتابة والقراءة بشكل جيد، مع استثناء سيدي ولد الشيخ عبد الله).

لقد نشأ النظام الاستعبادي بشكل مستقل عن المالكية، بل، و علاوة على هذا، فقد ظهرت المالكية في المغرب العربي أول ما ظهرت كحركة تقشفية زهدية متحررة من اقتصاد الاستعباد و معادية لأهله. إن أقطاب المالكية الأوائل في إفريقية و المغرب و الصحراء من سحنون و أبا عمران الفاسي ووجاج بن زالوي و جوهر ساكوم و محمد بن الفتح المدراري، أول أمير مالكي في المغرب، و عبد الله بن ياسين، موطد المالكية في الصحراء (موريتانيا) كانوا حركة برجوازية أولية نشأت في الرباطات المالكية في القيروان و المغرب و كانت هذه النواة المالكية تشبه البرجوازية الأوروبية الأولى التي نشأت في الرباطات أو البورجات، منغلقة على نفسها، غير عالقة أو مستأسدة اجتماعيا، و منتجة لقيمها الأصولية و الصوفية الخاصة.

و سوف لن تصبح هذه المالكية استعبادية إلا في إطار الصعود الطبقي للعسكرتاريا الصنهاجية المرابطية بعد عملية الفتوحات الكبرى التي أفسدت أخلاق رجال الصحراء و جعلتهم ملاك عبيد و إقطاعيات. ورغم هذا فقد انعزلت الرباطات المالكية في الصحراء و تحولت إلى "زوايا" علمية سرعان ما أخذت صفة قبلية لاحقا و تحالفت لاحقا مع الأرستقراطية العسكرية الحسانية الجديدة و أصبحت تبرر عملها الاستعبادي والنخاسي، وبشكل مجرد أحيانا عن المدونات المالكية.

إن علاقة المالكية بالاستعباد هي علاقة اعتباطية، تاريخية صدفية، و ليست جوهرية، و تحديدا ليست سببية. لم يرتبط الاستعباد الفقهي بالمالكية إلا في إطار تحول علماء الصحراء و المغرب إلى حركة أيديولوجية تبريرية للاقتصاد السياسي القائم وبدءهم في استخدام رأسمالهم الفكري و الثقافي في تكريس الظلم الاجتماعي. ورغم هذا فقد ظلت المنظومة المالكية منظومة شكلانية أرسطية الطابع تعالج المسألة الاستعبادية من منظور قانوني خارج عن الأخلاق و عن الغائية الاجتماعية (كما افترض ماكس فيبر بخصوص القوانين المعقلنة)؛ و كانت المنظومات المالكية تختلف من واحدة تزيد من التمييز القانوني ضد العبيد، كابن فرحون مثلا، إلى أخرى تخفف من هذا التمييز، كالقرافي، و إن كانت تبقيه في إطار جميع قوانين النظام الاقطاعي بما فيها القانون الأميركي و الفرنسي و البريطاني قبل إلغاء العبيد.

إن افتراض الاستاذ بيرام أن العلاقة بين المالكية والاستعباد هي علاقة سببية هو أمر مغلوط تاريخيا والأمر الأسوأ أنه يفترض أن هنالك جوهرانية في المنظومة الدينية (= يفشل الأستاذ في الفصل بين الأديان و الفلسفات و بين ما علق بها تاريخيا من شوائب الوضعية الاجتماعية السياسية). يفشل الأستاذ بيرام في تجريد المنظومات الفكرية؛ و بالتالي يلغي بضربة غير نقدية أي إمكانية لإعادة هيكلة المنظومات الفقهية و علمنتها وإعادة النضال الحقوقي من داخلها و تحريرها من الحتميات التاريخية. وهكذا يقع في نفس خطأ الأصوليات الدينية التسطيحية التي تعتقد - بل تعجز عن غير الاعتقاد- بأن الاستعباد هو أمر ديني و ليس أمر اقتصادي-سياسي مر به الدين في تاريخه.

الأمر الأسوأ في هذه الجوهرانية هو أن الأستاذ بيرام الذي يربط التاريخ بالفكر لن يجد منظومة فقهية تاريخية أخرى لم تتعامل –قانونيا و إجرائيا- مع وجود عبيد في المجتمع، و لا في أي تاريخ آخر. لم تستطع الكنيسة الغربية قيادة النضال ضد الاستعباد إلا من منظور يقول بتاريخية القوانين الاستعبادية و فصلها عن روح المسيحية، و هكذا تمت العلمنة و توفير إطار أخلاقي جديد يحرر الإنسان. إنه فقط بتبني خيار التاريخانية والعلمنة يمكنه التخلص من الشوائب الاجتماعية التي علقت بالمنظومات الدينية وربطتها بمنافع التاريخ وأدلجة تلك المنافع و نسبتها للأديان. إن الأحناف هم تيار العقلانية في الاسلام و مع ذلك فإن فترة ثورة المالكية عليهم في المغرب و إفريقية في القرن العاشر الميلادي كان الأحناف هم الطبقة السائدة و كانوا ملاك العبيد و مبرري الاستعباد و الأصولية الذكورية؛ بل إن أكثر متشددي المالكية في مسألة العبيد، ابن فرحون، قضى تجربته الأساسية باعتباره قاضيا في الحجاز في جو قريب من الأحناف.

4

ما إن قام الأستاذ بيرام بحرق الكتب المالكية حتى سادت موجة استنكارية بين الرأي العام الموريتاني (إن موريتانيا هي من الدول النادرة التي يتواصل أغلب نخبتها الفكرية في مجال عام اجتماعي على الانترنت وهي من الدول النادرة التي تتمتع بخاصية تأميم المجال الاجتماعي الافتراضي و تحويله إلى مجال حوار بدل أن يكون مجالا شخصيا. و هذا ما يسمح لنا بالتقييم بناء على تصورات هذا الفضاء). و ما حدث في هذا المجال هو النوح على المالكية التي "دنسها" الأستاذ بيرام ورفاقه، وهي البكاء على حرق الكتب، الأمر المنبوذ مبدأيا في الثقافة الموريتانية.

إنه بغض النظر عن النقاش البيزنطي بخصوص علاقة الدال و المدلول (اعتباطية من وجهة نظري. ليست اعتباطية من وجهة نظر القانون الاسرائيلي الذي يحرم حرق الكتب المقدسة) فإن أيديولوجيا الطبقة المثقفة الموريتانية مثيرة للضحك أحيانا. لقد كانت المالكية موضع أخذ ورد دوما في المجال الموريتاني؛ و المد الأصولي الوهابي هو مد معاد للمالكية. و لم يستقر أخيرا على قبول المالكية والأشعرية إلا من منطلق سياسي براغماتي و من باب التقية السياسية. و تاريخيا قامت الأصولية بتحدي كل الموروث المالكي في جدالات الفروعيين و الاصوليين في القرن التاسع عشر، منتجة أولى أصوليات الصحراء، و هو ما عرف بـ"فتنة المجيدري". و هنالك إلى اليوم محاظر عريقة تنتمي للمدارس المعادية للفروعية و لكثير من التراث المالكي العريق. على الذين يشيطنون الأستاذ بيرام ولد اعبيدي بسبب معاداة المالكية، ما داموا حريصين على المالكية و الأشعرية و الجنيدية، إظهار مبدأيتهم و التعرض للأصولية الوهابية أيضا. ونفس الشيئ بالنسبة للمتباكين على حرق الحروف. لقد تم تمزيق الكتب، بالحروف العربية، في البرلمان الموريتاني من قبل برلمانيين كبار. حينها لم تظهر أصوات المتباكية على إعدام الحروف، ولم تظهر ارتباطية الدال و المدلول و علاقة الحرف بالمقدس.

إن تموقفهم ضد معاداة الأستاذ بيرام للمالكية ليس موقفا فكريا غالبا. إنه موقف عنصري وجد فرصة في حدث فكري لكي يعبر عن نفسه. لو كانوا أوفياء للحرف المقدس و للمالكية لكان ذلك ظهر قبل اليوم.

5

إن نقاش المالكية و تدنيس الحروف يجب أن يتم في جو هادئ وعادل : غير عنصري. إن الحركة الانعتاقية هي حركة غضة تهب و تكبو. إن انسحابها من كل المنظومة المالكية سيضعف القدرة على علمنة المواقف الدينية العتيقة و سيضعف حث الفقهاء على التقدم بتبريرات حداثية للنصوص القديمة. إن الخروج عن كل المالكية يعني التسليم بأن الفتاوي تمثل المنظومة، و ليست سرقة لها. إن الخروج عن المالكية يعطي شرعية و مصداقية للعلماء الذين وظفوا المالكية في أغراضهم الدنيوية، و كأنه يقول إن استنتاجاتهم الفقهية كانت عملا وضعيا موضوعيا لا علاقة له بالنفعية، والأمر الإضافي أنه يخلط بين القوانين الاجرائية و بين الرغبة السياسية عند فقهاء القانون الشرعي في هذه القوانين، والأمر الأخير أنه يحاكم التاريخ الفقهي بأثر رجعي كما تفعل كل الأصوليات و كأن التاريخ حلقة واحدة. إن الخروج من المالكية هو رفض للقطيعة و نفي لديناميكية القوانين و الشرائع. إن الخروج من المالكية بيمينها ويسارها و محافظيها و مراجعيها بما فيهم المناهضون للعبودية، هو عمل تكفيري بلا أفق أكثر مما هو استراتيجية للتغيير.

عن مدونة أبو العباس ابراهام

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا