مرشحون يتهمون النظام بعرقلة حصولهم على التزكيات :|: مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين موريتانيا والسعودية :|: مسؤول : نتعامل مع ما يجري على الحدود المالية بصرامة وحكمة :|: مشاركة متميزة لشركات رجل الأعمال الناجي ولد بكاه في مهرجان تجمع رجال الأعمال الداعمين لترشح رئيس الجمهورية :|: دورة تكوينية حول ضوابط التغطية المهنية للانتخابات :|: البنك المركزي يفوز بجائزة إفريقية حول العصرنة المالية :|: أبرز ماجاء في كلمة الرئيس بالقمة الافريقية :|: مشاركة موريتانية في المنتدى العالمي للاقتصاد :|: مهارة طيارتنقذ طائرة ضخمة من حادث درامي :|: الاقتصاد والسياسة يهيمنان على « دافوس السعودية » :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
 
 
 
 

نار "إيرا" : مأساة الأيديولوجيا وملهاة السياسة

مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

mardi 1er mai 2012


التهبت مشاعر الشعب الموريتاني المسلم بكل شرائحه وهو يشاهد "نار إيرا" تلتهم أمهات المذهب المالكي العظيم التي تمثل ركائز هويته ومرجعيته العلمية والدينية ويكنّ لها ولأصحابها من التقدير والاحترام الشيء الكثير.

الحدث جلل وآثم وظهر أنه لا يمكن أن يمر دون أن يقول الشعب كلمة صارمة وصريحة في حق "إيرا" وزعيمها المثير للجدل والشك بيرام ولد الداه، لكن نظرة هادئة إلى هذا الحدث العاصف يجب أن تشق طريقها بين المشاعر الثائرة المتكدسة حتى تستكشف الأسباب الأيديولوجية والسياسية الحقيقية التي قد تدفع "إيرا" وزعيمها إلى فعلة لائكية وقِحة كهذه في ظرف سياسي كهذا. إن سؤالين أساسيين يجب أن يطرحا لمزيد من فهم الأمر : لماذا تحرق "إيرا" كتب الفقه؟ ولماذا تحرقها الآن؟.

الخليط المتفجر..

تنتهج "إيرا" خطابا حقوقيا متطرفا يرتكزعلى علمانية فكرية واضحة تعتبر العلماء هم مجسدي الأرثودوكسية الدينية الرجعية التي تبيح الاسترقاق وتحميه، دون أن تدرك المنظمة – أو أن تهتم بإدراك - الفرق الشاسع بين الدور الاجتماعي والثقافي التاريخي للمسجد والكنيسة والفقهاء والقساوسة.

وبقدر ما كان دفاع "إيرا" عن الأرقاء السابقين واكتشافها لبعض حالات الاسترقاق أمرا تخدمها ويخدم المجتمع والعدل، كان تطرفها وتشنج خطابها ينحت بهدوء وبصخب أحيانا في جدار مصداقيتها ، قبل أن تدفعها طبيعة المنبع الحقيقي لأفكارها مخلوطةً بقليل من "التهور البيرامي" إلى ارتكاب غلطة العمر التي ضربت مصداقيتها في الصميم عندما جرحت مشاعر الشعب الموريتاني المسلم وفي مقدمته الشريحة التي تقول إنها تناضل من أجل حقوقها.

لا تكتفي "إيرا" بالترويج لـ"مُثُل" العلمانية - كما يفعل بعض الذين يتقاطعون معها فكريا – بل تتجاوز ذلك إلى إعلان حرب من جهة واحدة على مواطن القوة في هوية المجتمع الموريتاني ؛ فقد أعلن زعيمها في أكثر من مناسبة عزمه على ضرب سلطان العلماء وقيمتهم في المجتمع وظل مواظبا في عموم خطاباته على وصفهم بما تصف به العلمانية الغربية القساوسة الأرثودوكس أيام أذاقوا الشعوب المغلوبة النكال والهوان باسم الدين، بل إن بعض "المتعاطفين الإيرويين" تجاوزوا ذلك بكثير أثناء نقاشات دارت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

إن الخطاب الحقوقي المتشنج المتكئ على العلمنة والمبتعد عن رؤية الإسلام الأصيلة في التحرر من الرق والاستعباد المتناغمة مع المرجعية الثقافية للمجتمع ومرتكزات هويته الإسلامية لن يكون إلا "خلطة متفجرة" في نهاية المطاف ، ولقد عبّر البيان الذي أصدره حزب التحالف الشعبي بقيادة الزعيم التاريخي لمناهضة الاستعباد في موريتانيا مسعود ولد بلخير بعمقٍ ورصانة ووعي مسؤول عن هذه الحقيقة عندما أكد أن "هذا التصرف الطائش (حرق كتب الفقه) وما صاحبه من ملابسات، ينم عن قصور في الفهم واختلال في التفكير أعمى المنتظمين في الإطار الذي يتساوق مثل هذه المواقف فيه، عن حقيقة أن الشعب الموريتاني أرسى مقومات وجوده وحافظ على دعائم وحدته، وصنع تاريخه المشترك في ظل التعاليم الإسلامية السمحاء وملاءمة مع ما يراه المذهب المالكي وما تمليه المدونة الكبرى".

ليس في إحراق الكتب ما يشي بقوة الفكر وبلاغة الحجة أو عدالة القضية، فبدلا من وصف الإمام محمد بن القاسم صاحب المدونة وخليل بن إسحاق وابن عاشر وغيرهم من العلماء الأجلاء بالضلال والإقطاعية وإحراق مؤلفاتهم كان على إمام "جمعة إيرا" أن يمدّ المجتمع بتأليف رصين يرد على ما يرى أنه "ضلال" هؤلاء العلماء ونخاسيتهم ومخالفة آرائهم للدين الحنيف؛ فالأفكار لا تحرق بالنار .. الأفكار تدحض بالأفكار.

إن ربط مدونات الفقه المالكي بالعبودية في موريتانيا عمل لا يخلو من الجهل بالتاريخ وبالواقع أو من البحث عن ذرائع للإثارة والقيام بعملية "إنقاذ سياسي" للنظام القائم الآيل للسقوط؛ فتاريخيا وُجدت العبودية في هذه الأرض قبل أن تكون مالكية بفترة طويلة ، وواقعيا لا أحد من الفقهاء المعروفين يفتي بشرعية العبودية في موريتانيا وحالاتها التي تُكتشف من حين لآخر ، وقد أشار الشيخ محمد الحسن ولد الددو في فتواه في هذه الحادثة إلى هذا الأمر.

وبالرغم من فداحة خطيئة "إيرا" وتردي مصداقيتها أمام النخبة والشعب على السواء فإن مناهضة الظلم والعبودية والتهميش لا يمكن أن تكون حصريا لفئة أو شخص كبيرام أساء إليها أكثر مما خدمها ، بل يجب أن تَعنيَ هذه القضية كل شريف حر النفس ويجب الشد على أيدي كل المنظمات الحقوقية والشخصيات الوطنية التي ترفض الاستعباد والاستغلال في المجتمع وتسعى إلى تأمين حياة إنسانية كريمة أكثر أملا وإشراقا ومساواة للمسحوقين والمستعبدين في تجمعات آدوابه وقرى الداخل.

مساءلةٌ سياسية.. إن مساءلة "نار إيرا" سياسيا أمر لا يقل أهمية عن مساءلتها أيديولوجيا ؛ ذلك أن ظلالا من الريبة والشك منتوقة فوق فعلة بيرام هذه ، وهناك أمور تجعل خطيئة إحراق أمهات الفقه المالكي فعلا غير اعتباطي وغير بريء سياسيا من شبهة أثر ليد الجنرال وجهاز أمنه وسأشير إلى أهمها :

1 ـ حاجة الجنرال والنظام الماسة إلى سبب لصرف الأنظار عن الواقع السياسي المحتقن والمعيشة المتردية ومطالبة الشعب له بالرحيل.

2 ـ لم يكن خطاب بيرام بين يدي "محرقته" خطابا بريئا فقد سعى لإقحام المعارضة في الأمر بطريقة مريبة وبدا حريصا على إدراج فعلته ضمن سلسلة الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل الجنرال مع أنها لا تجانسها أسلوبا ولا هدفا ، وفي الوقت الذي كان بيرام يمجد نضال المعارضة وحراكها كانت ناره تلتهم المدونة والمختصر وشروحه وابن عاشر وشروحه على وقع عبارات سب كبار علماء المذهب المالكي ووصفهم بالضلال والزيغ.

3 – تغطية التلفزة الموريتانية للحدث على طريقة التلفزيون السوري - الذي يصل إلى مكان الانفجار قبل وصول السيارة المفخخة المفترضة - وتركيز وسائل الإعلام العمومية عليه بشكل يكشف أن الغرض إنما هو صرف النظر عن رحيل النظام وحكومته العاجزة عن إطعام الناس من جوع وتأمينهم من خوف.

4 – خطاب الجنرال الإسلامي الجديد في المحتشدين أمام القصر الرمادي بدا خطابا مسروقا هدفه التصدي لبعض أطراف المعارضة النشطة في الحراك الشعبي ، وهو خطاب ما كان ليلائم الجنرال - الذي خرج إلى المتظاهرين في هيئة تقليدية استعطافا - لولا اعتداء بيرام المشبوه على المذهب المالكي.

إذا كان بيرام قد أحرق بعض أمهات المذهب المالكي المعتمدة منذ أمد في المحظرة الموريتانية متحديا مشاعر الشعب فإن الجنرال يسعى بأسلوب أكثر خطورة لمحاصرة إشعاع المحاظر وتهميش دورها بسعيه ما وسعه الجهد في إغلاق المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وقطع سبيل اندماج خريجي المحاظر في دورة الحياة بشكل فاعل وإيجابي.

وإذا كان الجنرال قد تعهد مؤخرا بتطبيق الشريعة – وهو أمر يشكر عليه إن أوفى – فلماذا يتضجر بالأمس القريب على منصة ألاك من زيادة أعداد خريجي الشريعة ؟ أم هل تطبّق شريعة الجنرال بالميكانيكيين؟

إن ما أقدم عليه بيرام مستفظع مشبوه لكنه لا يُسقط عدالة القضية في أساسها، وإن اللعبة التي يلعبها الجنرال لإلهاء الناس عن سوءات حكمه الآيل للسقوط وخطابه الإسلامي الجديد أمور يائسة هيهات أن تفيد ؛ فـ"ليس التكحل في العينين كالكحل" سيدي الجنرال.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا