بتوفيق من الله تيسرت لي كل المهمات الأساسية المتعلقة بتصديق الشهادة وتأكيد حجزي في الخطوط التونسية للعودة إلى الوطن"الحجز الأول كنت قمت به في مارس2001".
كان شغلي الشاغل وأنا انتظر العودة للوطن بلهفة شديدة وشوق للأهل والأقارب والأصدقاء هو كيف سيكون الاستقبال وكيف سأحكي لهم عن جبل الصعوبات المتراكم الذي عشته في السنة الماضية وكيف سأصف لهم مامر بي من "جوع وفاقة وظروف إنسانية يصعب وصفها".
ثم كيف سيفهمون معي قيمة التخرج وماهي العبارات المناسبة لوصف يوم "الزينة"، وهل سيكون الجميع على قدر المطلوب في تقدير كل تلك المواقف التي صنعتها ذات زمان غابر في ببيئة لا ترحم من حيث قساوة ظروف المعيشة ونحت النجاح من الصخر.
فجأة شرد ذهني لسؤال كبير هو كيف سيكون وداع "تونس الخضرء" وكيف لي أن أعيش بمفردي بعيدا عن زملاء الدراسة وعلى ذكريات صنعتها في أماكن متعددة من تلك العاصمة وهذه الدولة الحبيبة.كيف انسى الحدائق الغناء والشوارع الجميلة والناس الطيببن والمدنية الراقية والأسلوب المحترم في التعامل من أبسط العامة إلى أعلى مرتبة فكرية ذات قامة علمية سامقة درستني.
كيف لي أن أعيش بعيدا عن اجواء تلك المدينة المنظمة والمرتبة والتي علمتني أن إيقاع الحياة المدنية له قيمة والوقت فيها بحساب وقيمة الشخص هي ما يعرف مع الأخلاق، لا بالقبيلة والجهة والوساطة والاعتبارات الضيقة الأخرى.
كيف لي أن أنسى أنني محوت الأمية الحضارية ونهلت من معين زلال هذه الدولة ودرسني خيرة أساتذتها وعلموني أن البيئة الصالحة تنتج أناسا صالحين والعكس صحيح.
كيف لي أن أعاود الاندماج عند عودتي لوطني في حياة "السيبة" وغياب البنية التحتية وقيمة الوقت وفوضى العيش في المنزل والشارع،واعتباطية العلاقات وانعدام التحفظ وتراتبية الاعتبارات المادية وانحطاط الاعتبارت الأخرى لدى الكثيرين في مجتمعنا "الا من رحم ربك وقليل ماهم".(أنا شغوف بوطني ولكنني أغار له).
كيف سأجيب على السؤال الكبير والمحرج..ماذا بعد التخرج بعد انتهاء أيام الاحتفالات وتفرق الجميع لهمومهم ونهشهم للحمي في الغياب"ماذا فعل العبد الفقير بشهادته مع العلم ان المجتمع لا يرحم والاستحقاقات الاجتماعية المترتبة تزيد مع الوقت؟
كنت وأنا في لحظات التأمل تلك أطرح الأسئلة لأجيب عليها بأخرى لأنتهي إلى...
بقلم :محمد ولد محمد الأمين (نافع)
ملاحظة :
للتعليق والملاحظات :
oulnafaa.mohamed@gmail.com
هذه المذكرات واقعية نشرت جامعة " جورج تاون" الأمريكية مقتطفات منها في بعض كتبها المدرسية المترجمة باللغة الانجليزية التي تدرس بغالبية جامعات العالم(راجع الحلقات السابقة بالموقع (زاوية رأي).