عندما التقيت قبل أكثر من 26 سنة تقريبا بالفقيد د. محمد ولد أحمدو بمبا بشارع العباسيين في بغداد مع مجموعة من الطلبة العرب خيل إلي أن لي به سابق معرفة و لما لم تسعفني ذاكرتي بذلك الزمان والمكان الذي عرفته فيه بادرت إلى سؤاله فكان من كريم خلقه أن رد علي بأنه لم يتذكر بعد ظروف تلك المعرفة الأكيدة.
و الواقع أن لقاءنا الأول كان في تلك اللحظة لكن ألفة الرجل الآسرة تجعلك وأنت تلقاه لأول مرة تعتقد أنك قد عرفته في السابق و أن بينكما خصوصية وحميمية.
نعم لقد ألهمه الله سلطان الألفة كما وهبه الأخلاق العالية فكان في سيرته صدوقا متواضعا وفيا وكان الشهم الحريص في السراء و الضراء على أن يكون كبيرا في فكره و سلوكه كان الأخ الكريم رمز الإيثار مهما كانت الضائقة، القوي الصبور المحترم المهاب الذي يركن إليه في الملمات و المَِرح المتفائل الذي يبعث الأمل و الثقة في النفوس.
فكم كان الرجل أصيلا و كم كان موطأ الأكناف متوازنا في فكره و سلوكه ونفسيته وكم كان أمينا بل رمز الأمانة و الوعي بعبئ حملها... حتى دفع حياته ثمنا لذلك الوعي... فكان في فكره وجهده مستميتا متفانيا في تحسين و تطوير أداء مؤسسته الجامعية فاستحق بجدارة لقب شهيد الأمانة :
فكلما فكرت في المرحوم تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أحبكم إلي و أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون و يؤلفون" و لعل الفقيد اتخذ هذا الحديث شعارا لحياته فعاش سعيدا و مات شهيدا رحم الله الدكتور محمد ولد أحمدو بمبا و اسكنه فسيح جناته مع الأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين وحسن أولئك رفيقا.