في 11 من شهر سبتمبر2001 كنت أقضي مقيلا مع قريبي وصديق لي وكان وقتها بلا هوائي استقبال "رسبتير" وأذكر أنني وصلت منزله العاشرة صباحا وكانت تلفزته مفتوحة على التلفزيون الاسباني وكانت هنالك صور أبراج محترقة وهلع وسيارات إسعاف ولكن بما أننا لا نفهم تلك اللغة والقنوات العربية لاتبث دون هوائي استقبال عكس التلفزة الوطنية الاسبانية وقناة فرنسا الموجهة لافريقيا(لا تهتم بالأخبار غير الافريقية) فلم نتمكن من فهم الموضوع.
وبعدما لاحظت أن الموضوع يتعلق بالأخبار وبالتأكيد فالحدث كبير من خلال تتابع الصور وهول مافيها، طلبت منه إحضار جهاز إذاعي لنعرف مايدور في العالم فأحضر لي جهازا ولم تكن موجودة من الاذاعات العربية الاخبارية وملتقطة بصورة معقولة على الموجة المتوسطة غير "البي بي سي"،ففتحت المذياع فإذاهي تغطية أحداث 11 سبتمبر وفي استوديو التقديم وقتها فرسان كبار من القسم العربي لهيئة الاذاعة البريطانية آنذاك هم "حسن معوض، واسماعيل طه، وحسن أبو العلا".
قضيت المقيل مع ضيفي متذكرا أحداثا وتغطيات شاهدتها وقتها في استديوهات معهد الصحافة منها تشييع جثمان الملك الآردني حسين 1998 وانتفاضة الأقصى الثانيةسنة2000 ومقتل محمد الدرة والانتخابات الامريكية التي قيل انها شهدت التزوير بين مؤيدي المرشحين بوش الابن وآل جورسنة2000،حيث كنت أعيش الحدث مباشرة وأعمل عليه خلال دراستي للعمل التلفزيوني والاذاعة وقتها بمعهد الصحافة.
وكم كنت أستمتع وأنا في قلب الحدث من خلال تغطية اكثر من 20 قناة في وقت واحد بغرفة التحكم في استوديو التلفزة بالمعهد،كنت وقتها أعيش وأدرك أن العالم وقتها أصبح بالفعل قرية كونية واحدة".
في المساء عدت للمنزل وواصلت متابعة التغطية التلفزيونية حيث تنافست قنوات العالم خاصة العربية على تغطية هذا الحادث الذي غيروجه العالم وكانت هذه المناسبة فرصة لي لمعرفة كيف ستتعامل الصحافة الموريتانية مع هذ الحدث من حيث التغطية.
أذكر وقتها جيدا أن المشهد الاعلامي كان ميتا حيث أن الصحافة الوحيدة التي لها عطلة صيفية في العلم هي الصحافة الورقية بموريتانيا وبالتالي لم تكن هنالك تغطية تذكر للحدث،أما الاعلام الرسمي فكان "يغني على ليلاه" وكأن البلد غير معني إطلاقا باليوم الذي غير وجه العالم.
استعدت بعض الذكريات الاعلامية من خلال متابعتي لتغطيات إخبارية رصينة قدمتها في ذلك الوقت قناة الجزيرة وإذاعة بي بي سي العربية تمثلت في رصد الحدث من كل زواياه وأبعاده مع تقديم قراء عميقة لاسبابه واستشراف لتداعياته مع كوكبة لامعة من صحافة الجزيرة والقسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية أعادتني لقيمة الاعلام المحايد وتأثيره الحقيقي في صناعة الحدث.
أذكر أيضا أن الكثيرين كانوا يسالونني –بما أنني قادم من كوكب آخر- وموضوع تخصصي في الاعلام هو الاعلام السياسي وكنت مهتما في السنتين الماضيتين بملف الولايات المتحدة وتأثيرها في القرار الدولي ثم ملف الولايات المتحدة وانتخابات 2000 وما اثير حولها من لغط ، كانوا يسألونني عن الحدث ويطلبون مني تفسيره وماذايعني وماهي أسبابه وماعلاقة العالم الآخر به (اذا تحطمت امريكا بما ذا يضر ذلك العالم يتساءل احدهم؟).
طبعا كنت لا أدري هل أشفق عليه أم أضحك من كلامه ذلك الذي لايمكن ان يقبل به مثلي الا كمجنون أو غبي لاعتبارات عديدة ليس هذا محل شرحها (أمريكا هي مركز القرار الدولي).
تابعت في المدة المتبقة من شهر سبتمبر تطورات احداث 11 سبتمبر ورويت ظمئي الاعلامي من خلال تلك المتابعة بالكثير من المعلومات المفيدة واستعدت ذكريات جميلة في ردهات المعهد واستوديوهاته وفي قاعة التحكم(التلفزيون) مع زملاء من حنسيات مختلفة تونسيون مغاربة من الشام والجزائر(كنت آتذك وقتها أننا نصنع الحدث ونقدمه للمشاهدين) تماما كما كنت اتابع تغطية 11 سبتمبر في تغطية تلك القنوات والاذاعات، وكنا لانتأثر بالأحداث التي نغطي وكثيرا ما جمعنا نقاش حول بعضها خاصة إذا ماتعلق ببلد أحدنا(كانت الاستوديوهات المعهد وقتها بمثابة جامعة عربية مصغرة).
طال الانتظار لاكتشاف المجهول ... وفي بداية..
بقلم : محمد ولد محمد الامين(نافع)
يتواصل...
ملاحظة :
لفهم هذه اليوميات في جزئها الثاني من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 67حلقة" ولمن يرغب فيها أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي أسفله.
الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com
.