في بداية شهر نوفمبر2001 تواصلت رحلتي مع البحث عن "سراب العمل"،وقد اتصل بي قريب لي وكان غلى صلة بالمرحوم العلامة عبد العزيزسي وقال إنه طلب منه أن يعد له كتابا عن سيرته ومكانته العلمية وسوف يوفر له المراجع مع دفع أجرة طبع الكتاب.
طلب مني قريبي أن أعمل معه في هذا المشروع الصغير في انتظار أن أجد فرصة عمل فوافقت وكان العمل مضنيا حيث يستلزم قراءة الوثائق والمخطوطات وصياغتها بأسلوب عصري يناسب لغة الكتاب،كما كان تبويب ومنهجية الكتاب يمثل صعوبة اخرى علي تجاوزها.
وبعد شهر كان الكتاب جاهزا للطبع في النسخة الأولى وكان علي أن أتابع طباعته بشكل يومي مع أحد المشتغلين بطباعة الكتب والرسائل الجامعية.
كانت هذه المرحلة صعبة ودقيقة وكانت تستلزم وجودي بشكل يومي إلى جانب الطابع للاشراف على الطباعة وقد اقتصرت مهمة قريبي على الربط بيني وصاحب الكتاب والقيام بصنع الشاي واحضار الغداء من المطعم في الأيام التي نقضيها مع الطابع.
كانت رحلة التنقل الى الطابع قرب مصرف شنقيط قبالة"عمارة الخيمة "خاليا وظروف المقيل كلها صعبة حيث المكان ضيق ولاوجود لمقاعد جيدة والزبناء كثر ووسائل النقل لوسط العاصمة فيها زحمة وهي في الغالب سيارات أجرة سيئة المنظروكثيرة الطنين والضوضاء.
تواصلت رحلة طباعة الكتاب وكانت عملية تصحيح الطباعة وإخراج الكتاب بصورة جيدة صعبة لعدة اعتبارات منها :نقص الحرفية وضعف آلات الطباعة والورق والحبر الملون المناسب.
وفي منتصف شهر دحمبر2001 تمت العملية النهائية لاخراج الكتاب وتم تسليمه للعلامة .
كانت هذه التجربة كافية لي لادراك صعوبة جانب لصيق بعمل الصحافة وهو جانب الطباعة والاخراج حيث الأجهزة عتيقة والخبرات الفنية قليلة ومستلزمات الاخراج الفني غائبة من ورق وألوان وبرامج إخراج جيدة.
ومن هذه التجربة استنتجت أسباب سوء واقع الصحافة المكتوبة في موريتانيا من حيث الشكل والاخراج الفني "لاتعليق على المضمون"مادام كل من خب ودب وقتها "صحفي" حسب الواقع آنذاك.
وطبعا كنت قد قمت بدراسة في رسالتي تخرجي(25يونيو2001) التي كانت تحت عنوان :"صدى العلاقات الموريتانية الاسرائيلية في صحافة الراي الموريتانية شكلا ومضمونا"عن الصحافة الموريتانية أفادتني كثيرا حول توجهات وأنواع مضامين الصحافة المكتوبة وأسباب غياب الاخراج الفني، واستخلصت من كل ذلك أن واقع المهنة متعب"لايبشر بخير".
بعد انتهاء الكتاب الذي تسبب لي العمل فيه في الكثير من الأوصاف من طرف الأقارب حيث قال بعضهم"فلان أصبح طباعا" والبعض الآخر قال :" كان على فلان ان يجلس هنا ويتعلم تأليف الكتب بالطريقة التقليدية ولايتعب نفسه في الغربة"،كما علق بعضهم ساخرا :"فلان أصبح يتسول البحث عن أي عمل".
كانت كل تلك التعليقات تؤلمني كثيرا وتشعرني بالمهانة التي تسببت لي فيها ظروف خارجة عن إرادتي وكان جرحي يزدادعمقا مع انسداد الآفق المهني أمامي يوما بعد يوم وضربي من تحت الحزام من طرف الأصدقاء وبعض الأقارب وحاجتي الشديدة للعمل في مجتمع مادي لايرحم ولايقيم اعتبارا لغير"المال والسيارة والمنصب الرفيع".
في ليلة رأس السنة2002...
يتواصل...
بقلم : محمد ولد محمد الامين(نافع)
ملاحظة :
لفهم هذه اليوميات في جزئها الثاني من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 67حلقة" ولمن يرغب فيها أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني أسفله.
الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com