هكذا انتهت مقابلتي مع أول رئيس تحرير اعمل معه لتبدأ حكاية جديدة.
في اليوم الموالي عدت لأبدأ العمل مع زملاء جدد وفي محيط مغاير عن ما عهدته بتونس.
كانت المفاجأة الأولى بالنسبة لي هي أن كل من يعملون معي في الصحيفة "لا علاقة لهم بالمهنة من حيث التعليم الأكاديمي بل هم هواة تتلمذوا في المهنة على هواة ".
أما المفاجأة الثانية فتتعلق بتصميم المحل حيث لا تجهيزات ومقر الجريدة لا يتعدى مكتبين وجهاز واحد .
المفاجأة الثالثة كانت تتعلق بطريقة العمل حيث يغيب تصميم ثابت للجريدة وتوزيع محدد للعمل والأدوار(اكتشفت في ما بعد ان هذه الخصائص مشتركة بين كل الصحف الوطنية وإن تفاوتت في ما يتعلق بالتجهيزات فقط).
المفاجأة الرابعة كانت تتعلق بطغيان المادة السياسية على كل الصحف وسطحية التغطية الاعلامية لغالبية القضايا الوطنية الهامة(تغيب التعليقات والتحليلات) رغم أن الصحافة أسبوعية وقتها,ناهيك عن غياب صحافة التحقيقات والتقارير الاستطلاعية والمقابلات الهادفة في غير المواضيع السياسية المملة.
المفاجأة الخامسة مضحكة مبكية حيث أنه لا توجد صحافة في العالم غير مطبوعة بالألوان الا في بلدي موريتانيا للأسف مع رداءة الورق وللتاريخ أروي القصة الشخصية التالية :
"أذكر أنني قضيت عطلة السنة الدراسية 1999-2000 في تونس وكنت مشتاقا لمعرفة الأخبار ولم تكن المواقع المحلية على الانترنت قد وجدت في موريتانيا فأوصيت زميلا لي بإحضار بعض الصحف المحلية عند عودته من عطلته الصيفية بالوطن.
عاد زميلي متأبطا بعض الصحف وسلمها لي ليلا ونظرا لضيق الوقت خبأت تلك الصحف في محفظتي وفي الصباح غادرت للدراسة وفي الاستراحة بين الحصتين الساعة العاشرة صباحا بقيت في القسم وأخرجت هذه الصحف وبدأت أطالع عناوينها بشغف.
فجأة دخل علي احد زملائي التونسيين وناداني "يالمين" ما ذا تفعل فأجبته بأريحية :"أطالع بعض صحفي بلدي موريطانيا" فاقترب مني وقال :" ناولني أحدها ففعلت.
نظر زميلي التونسي لتلك الجريدة الوطنية وكله استغراب ودهشة ثم قال :"هذه لاتصلح إلا للف الصاندويتش،هذه ليست صحافة كلها سواد في سواد وخطوط مائلة ومادة مبعثرة"،ثم أردف قائلا :" الشكل في الصحافة قبل المضمون".
لم أتمالك نفسي لهول الصدمة فرددت عليه :"صحافتنا في المضمون أفضل حرية من كل الدول العربية".
المفاجأة الأخيرة كانت هي غياب مصادر الأخباروالكتابة الصحفية الرصينة وغياب ميكانيزمات التوزيع وسوق منظم للاشهار مع هضم للحقوق الشخصية المتعلقة بظروف العمل" الطعام والشراب" وضياع الحقوق بسبب انعدام العقود الموثقة.
في مثل هذه الظروف حطت سفينة طالب الغربة للعمل في "بلاط صاحبة الجلالة" بموريتانيا الحبيبة.
بدأت إذن رحلة ...
بقلم : محمد ولد محمد الامين(نافع)
ملاحظة :
لفهم هذه اليوميات في جزئها الثاني من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 67حلقة" ولمن يرغب فيها أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني أسفله.
الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com