بدأت إذن رحلة العمل مع الصحافة المكتوبة في موريتانيا وقتها والتي كانت معركة عنيفة بين"وخز الضمير المهني وحب أداء الواجب الوطني الذي تمليه وظائف الإعلام الثلاثة من إخبار وتوعية وتسلية"من جهة " وعدو لايرحم هو "تجذر النظرة المادية في المجتمع الموريتاني" وتقييم الشخص على أساس ما جناه من مال- لا ما كسبه من فضيلة وعلم- وطبعا "لكل قاعدة شواذ".
يضاف لذلك سوء سمعة المهنة التي غدت وقتها "مهنة من لا مهنة له" بل أشد سوء "مهنة تسول" فلا تكاد تجد فيها مثقفا ذي باع إلا وهو مهمش،ولا تكاد تجد فيها من يعرف"كوعا من بوع " إلا وهو مطارد من طرف الواقع بانعدام الدخل ومن طرف القيمين على تلك المهنة – يريدونها تجارة ويتعاملون فيها بالبيع والشراء والربح – ولا يهمهم قيمة من يعمل معهم فكريا ومهنيا ونصاعة تاريخه.
في مثل تلك الظروف بدأت العمل مع زملاء اذكر منهم رئيس التحرير الزميل محفوظ ولد الجيلاني والزميل محمد الأمين ولد مني والزميل سيداحمد بن ابنيجاره والزميل (..) ولد حمديت.
كان الجو مناقضا لكل ما يمكن أن يظن من له إلمام بالمهنة –ولو بالهواية- ودخل قاعات التحرير للصحف الحقيقية أن له علاقة بالعمل الصحفي،جهاز واحد تطبع عليه المادة وتخرج عليه الجريدة فنيا ومكتب وحيد لكل العاملين في الصحيفة (ليس منهم رسمي سواي وزميلي محفوظ ولد الجيلاني : ومصطلح رسمي هنا يعني التعاقد الشفوي مع مدير الجريدة عل مبلغ معين شهريا وقد لا نحصل عليه الا بعد عدة أشهر ولكننا في النهاية محظوظون لأن صاحبنا له ذمة تتبع عكس آخرين في تلك الفترة يستغلون العاملين معهم دون حقوق).
أما الزميلان الباقيان فهما متعاونان يدفع لهم المدير مبلغا حسب ما نشر وقد يكتبون دون دفع إذا ما كانت زاوية مثلا.
طريفة هي الحياة،هكذا كانت المعاملة المادية في الصحافة الموريتانية(لا عقود، لاضمان اجتماعي، لا ظروف عمل مرضية)وحتى مع وجود القانون الجديد (2006)وحصولها عل بعض التمويل من الدولة مازالت الصحافة المكتوبة وبعد 12 سنة من الوقائع المدونة في هذه السطور تعيش المأساة نفسها.
كانت ظروف العمل فوضوية والصحيفة غير مبوبة ولا يدرك العاملون عليها كما هو حال الصحف قاطبة في البلد قيمة الوقت وتحرير المادة وتبويب الصحيفة وقيمة الإخراج وقيمة الكفاءة الإعلامية في العمل،بل كل ما هنالك هو أعداد تطبع حسب إملاءات متعددة من أهمها :البحث عن الاعلانات،البحث عن تمرير خطاب سياسي في حملة انتخابية،البحث عن دعم مادي من جهة ما(تغطية زيارة مسؤول كبير أو مهرجان له).
طبعا كانت الصحف التي تصدر أسبوعية وقليلة العدد وأقل منها تلك التي تحترم دوريتها.
من المصائب الأخرى ان الصحف لاتوزع الا في مساحة (كلم مربع واحد) بالعاصمة نواكشوط والصحف التي لها حظ كبير قد توزع في نواذيبو،لكن عموما تبقى القراءة محدودة لعدة اعتبارات منها (تفشي الأمية،ضعف التوزيع الجغرافي على رقعة البلاد الشاسعة،تشابه مضامين الصحف وغياب اهتمامات القراء :لاتحقيقات ومقالات هادفة بل مزيد من تخمة السياسة وبعض الحوادث من باب الاغراء بالقراءة،غياب الاعلانات الهادفة والعلاقات مع المحيطين الاقتصادي والاكاديمي والثقافي).
بعبارة شفوية بسيطة من المدير الناشر(المالك)في أي جريدة –وقتها- ينصب هذا "رئيس تحرير وهذا مدير تحرير وهذا سكرتير تحرير" وبعبارة أبسط يفصل هذا من عمله ويماطل ها في حقوقه.
ذلك هو واقع الصحافة المكتوبة بموريتانيا مارس2002 حيث بدأت العمل كسكرتير تحرير ومسؤول عن التحقيقات.
في الحلقات المقبلة نتعرف على ...
بقلم : محمد ولد محمد الامين(نافع)
ملاحظة : لفهم هذه اليوميات في جزئها الثاني من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 67حلقة" ولمن يرغب فيها أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني أسفله.
الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com