لمدة يوم واحد انعقد بالعاصمة الموريتانية نواكشوط منتدى حول التنمية الرعوية في منطقة الساحل بمشاركة منظمات دولية وعدد من الدول الإفريقية التي تتقاسم مع موريتانيا رزمة مظاهر التخلف والتهميش أبرزها الفقر والتصحر رغم المقدرات التنموية الكثيرة التي تزخر بها حيث تتواجد رؤوس ماشية تقدر بالملايين لاتزال غير مستغلة بما يخدم المصالح الوطنية لحد الساعة .
وإذا كان المتتبعون للشأن الرعوي والتنمية بشكل عام قد رحبوا بمثل هكذا مبادرة وعلقوا عليها آمالا كبيرة للخروج باستراتيجيه واضحة تنهض بقطاع التنمية الحيوانية حتى يأخذ مكانته اللائقة في الدورة الاقتصادية للبلد بعد عقود من الإهمال والتهميش خاصة في موريتانيا،فإن ما أعلن عنه من نتائج كان دون المستوى المطلوب ـ حسب رأينا ـ نظرا لعدة أسباب أهمها :
أن المبادرة جاءت من قبل البنك الدولي وليست من قبل حكومات دول الساحل المشاركة في المنتدى ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الحكومات لم تستوعب بعد أن تبعيتها العمياء للبنك الدولي وإذعان وزرائها ومسئوليها لسياسات البنك وتفانيهم في التطبيق الحرفي لمضامين تلك السياسات هو السبب الفاعل في كل هذا التخلف والتهميش الذي عرفه ولازال يعرفه قطاع تنمية المواشي في بلد كموريتانيا مثلا .
قصر الحيز الزمني للمنتدى : ـ إذا اقتطعنا مدة الاستقبال الرسمي للضيوف والكلمات الرسمية ـ فإن التظاهرة لم تدم سوى ساعات معدودة ،وهي لاشك غير كافية لدراسة وإثراء نقطة واحدة من نقاط كثيرة يحتاجها النهوض بهكذا قطاع حيوي متعدد الشعب ، ما يعني أن الأمر قد لا يعدو كونه المصادقة على استمارة مقدمة من البنك لرسم السياسات المستقبلية للقطاع في أفق السنوات القادمة بعيدا عن أصحاب الشأن المعنيين من منمين ومزارعين .
محاولة ربط الانفلات الأمني الذي تعرفه منطقة الساحل بغياب التنمية في بعض المناطق كالشمال المالي مثلا ، وهذا مردود عليه لأن التنمية الحقيقية منعدمة في معظم عواصم الولايات والمقاطعات الداخلية ( موريتانيا مثلا) وبالتالي فإن الهدف من هذه النقطة ربما يكون استدرار مزيد من التمويلات الخارجية دون استغلالها في التنمية كما هو معهود في حالات سابقة .
وعلى أية حال فإن أي مبادرة للتنمية المحلية أو وضع إستراتيجية للوصول إلى تنمية مستدامة بالمنطقة لا تنبع من الداخل وتشخيص مشاكله الكثيرة وواقعه المزري سيكون مصيرها الفشل ، لأن الخطط الجاهزة المستوردة لا تجدي نفعا في حلحلة مثل هذه المشكلات التنموية الاقتصادية والاجتماعية ، بل على النقيض من ذلك فهي تعمل على تفاقمها وتكريس منطق التبعية للمؤسسات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي الذي أثبت التاريخ الطويل لممارساته حول العالم أن تدخله لم ينم أي منطقة من المناطق التي تدخل فيها بل على العكس نجم عنه إغلاق ما كان قائما من مؤسسات وطنية ومصانع محلية وتسريح العمالة وانتشار الأحياء الهامشية وإثقال كاهل الدول بالديون .
بينما نجد في الجانب الآخر أن الدول التي رفضت تطبيق وصفات هذا البنك وتوصياته تمكنت من النهوض باقتصادها الوطني ورفع ناتجها الداخلي الخام في وقت قياسي، ولنا في الدولة الماليزية خير تجربة .
فإلى متى يستفيق المسؤولون الحكوميون في بلدنا من الهرولة تحت بعثات هذه المؤسسة من أجل بضع دولارات تشكل عبئا متزايدا على الوطن ومستقبل أجياله ؟ǃǃ
بقلم : نور الدين محمدي