كنت أحاول أن أجد موطئ قدم في زحام المهنة التي طمرتها بطالة الشباب وغذاها وحل الجهالة لدى الكثير من ممارسيها.
في هذه الحلقة نتناول معكم بعض الظروف المعيقة لعمل الصحافة المكتوبة بموريتانيا مع مواقف طريفة.
في تلك الفترة "مارس2002-اكتوبر2005" كان العمل الصحفي المكتوب قليل جدا والصحف المستقلة أسبوعية في الغالب والمؤسسات الصحفية تعد على أصابع اليد الواحدة،ولكن في المقابل هنالك مئات من التراخيص لصحف وهمية يتاجر بها أصحابها ويتخذونها وسيلة للتسول باسم المهنة.
من الظروف المعيقة وقتها لعمل الصحافة المستقلة المكتوبة هي أن من يعملون فيها لا علاقة لهم بالمهنة غالبا،ويهمشون ذوي المهنة الحقيقية مدعين أنهم يفتقدون للكفاءة في الميدان.
وقد عشت شاهدا حيا على ذلك حيث أنه في كل الصحف وفي مؤسسات الإعلام الرسمية لا يوجد صحفيون درسوا المهنة في"الصحافة المكتوبة" بالمطلق،وفي الإعلام الرسمي مهمشون غاية التهميش.
من الصعوبات الأخرى عدم وجود تعاط إيجابي مع الجمهور من طرف الصحافة وضعف المقروئية وغياب النواحي الفنية في الصحافة المكتوبة،وكذا الإعلان والتوزيع وهما من أساسيات تمويل الصحافة المكتوبة ونشر مضمونها على أوسع نطاق.
وقد ظلت الصحافة المكتوبة المستقلة مغيبة رسميا عن غالبية النشاطات ولا تحضر إلا على أساس محاباة السلطة والمسؤولين ودون الحرية في نقل الحقيقة والقيام بدورها في النقد البناء.
في المقابل كان الرأي العام الوطني يتعاطى بسلبية كبيرة مع الصحافة المكتوبة المستقلة حيث يندهش المواطن عدما تخبره بأنك صحفي من الجريدة كذا و المؤسسة الإعلامية كذا وغالبا ما يبدأ في نقد الصحافة ثم يتخلص منك في النهاية قائلا :"أنتم الصحافة متسولون وما فائدة ما تكتبون، السلطات لا تعير نقدكم أي اهتمام".
بدورها السلطات كرست تلك النظرة السيئة للصحافة المستقلة المكتوبة حيث أنها لم تعمل على تنظيم القطاع وتنقيته ولا تستجيب للنقد القليل الذي قد تقوم به صحف وغالبا ما تدفع ثمنه باهظا ب"الحظر والمصادرة حيث سيف الماد11 يقف لها بالمرصاد.
في دائرة المواقف الطريفة اذكر أنني كنت في إحدى الندوات الصحفية تجاذبت أطراف الحديث مع بعض الزملاء-وقتها- ممن يوصفون وقتها با"البشمركه" فسألت احدهم عن الجريدة أو المؤسسة التي يعمل بها فضحك وقال لي :"أين كنت؟" قلت له "هنا بالبلد" فاستغرب وعلق قائلا :"لا أعتقد، لو كنت هنا لعلمت أن الترخيص لصحيفة هنا هو من باب التكسب باسم المهنة..أن أطبع نسخا من جريدتي لأستجدي بها الفلوس من المسؤولين فقط".
من الغريب ايضا أن مهنة الصحافة بموريتانيا يمارسها –وقتها- بعض أصحاب المهن الحرة ومن بينهم الخياطون والجزارون وأصحاب التاكسي ،ولا تستغرب أن أخبرتك –عزيزي القارئ أنها الملاذ المفضل للكثير من العاطلين الشباب" مهنة من لا مهنة له".
موقف ثالث مازال حيا بالذاكرة فقد أبديت نقدا موضوعيا لإحدى الصحف بمؤسسة معروفة بالبلد بمناسبة ذكرى صدورها السنوية ولكنني تفاجأت أن المسؤولين عنها تجاهلوه واكتفوا بنقطتين بسيطيتين منه، وجاهته وحاجة الصحيفة للكثير من الإصلاحات .
تواصلت رحلة عملي المضني في صحيفة "الوحدوي" وكانت قاسية نسبيا حيث التجول في العاصمة سيرا على الإقدام لإعداد التحقيقات والتعرض لألسنة الناس في الشارع العام ونظرتهم السيئة لمهنة الصحافة بالبلد في ذلك الحين،إضافة لتصحيح المادة الاخبارية وبعض مقالات الرأي والتي يكتبها هواة ومبتدئون وتحتاج للكثير من الجهد في الصياغة.
كما كانت مهمة الاشراف على إخراج الصحيفة في بلد تنقص فيه المعدات والفنيون في الاخراج ويضيع فيه فهم قيمة الصورة وتذوق جماليات الاخراج شبه مستحيلة .
كانت التغطيات الصحفية ...
بقلم : محمد ولد محمد الامين(نافع)
ملاحظة : لفهم هذه اليوميات في جزئها الثاني من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 67حلقة" ولمن يرغب فيها أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني.
الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة)
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com