الجيش المالي يتفق مع موريتانيا على تأمين الحدود :|: تكليف شركةسعودية بدراسة جدوى خط أنابيب للغاز بموريتانيا :|: رئيس الجمهورية يصل إلى مدينة كيفه :|: مدير BP موريتانيا : علاقتنا متميزة مع الحكومة الموريتانية :|: بيان من نقابة أحرار التعليم :|: "Aura Energy" تعلن إعادة هيكلة اتفاقية اليورانيوم في موريتانيا :|: تعيينات واسعة ب 3 إدارات في شركة "سنيم" :|: BAD يمول مشاريع للبنى التحتية بموريتانيا :|: المصادقة على اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين موريتانيا والسعودية :|: تحديث جديد في واتساب ينتظره الملايين.. ! :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
جولة في حياة الفقيد محمد ولد إبراهيم ولد السيد
 
 
 
 

الوعي والانتاج/ محمد العارضي

dimanche 25 octobre 2015


يخيل للبعض أن العلاقة بين الثقافة والإنتاج، في الدول الصناعية المتقدمة، هي فقط العلاقة التي تتحدد بقدرة تلك الدول على إنشاء المدارس والجامعات ومراكز الابحاث التي تثري الواقع العلمي وترفع من مستويات التحصيل الأكاديمي.

لكن هذه العلاقة لا تعدو كونها نوعاً من الربط الميكانيكي بين مؤسسات الدولة والمجتمع بوصف الأخير مخزوناً لعملية تطوير المؤسسة الاقتصادية التي تحتاج الى كفاءات وظيفية ومهنية متنوعة، أي بمعنى آخر، هو سعي المؤسسة لصناعة موظفين جيدين مؤهلين لخدمتها وتعزيز مكانتها التنافسية وليس أبعد من ذلك.

والحقيقة أن هذا الشكل من العلاقة بين الثقافة والمجتمع، لن يصل الى مستوى تحقيق التنمية الاجتماعية، فقرار التنمية هو قرار جماعي اجتماعي بامتياز، وإن كان للدولة بشكلها المعبر عن إرادة المجتمع، دور كبير في قيادة هذا القرار، إلا أنه لن يتحقق إلا بجهد القوى الاجتماعية أي قوى الانتاج الاجتماعي.

لذا فإن التحليل العلمي لتاريخ التنمية في العديد من البلدان، يدحض جدوى العلاقة الأحادية التي تقودها المؤسسة الاقتصادية، ويؤسس لمفاهيم مغايرة تضع ثقافة المجتمع القائمة على الأصالة والتراث والعلاقات الاجتماعية التي تعي ضرورات تطورها والاتجاهات المناسبة لمسيرتها، وتعي بعمق أهمية الانسجام الاجتماعي، والثقة بالنفس والعزة الوطنية التي تمنحها الهوية المميزة كأمة عليها أن تتبوأ مكانتها المناسبة بين الأمم الأخرى، في مقدمة مسيرة التنمية.

إن الوعي الاجتماعي، أو الثقافة الاجتماعية بوصفها القوى الروحية لعملية الانتاج، هو الذي يمنح البناء الاقتصادي للدولة قاعدته الاجتماعية الراسخة، وهو الذي يحدد شكل وتركيبة هذا البناء الاقتصادي من حيث موقعه على خارطة الإنتاج العالمي، وليس ذلك الشكل من الثقافة الوظيفية الذي يبقيه أسيراً لدوره كمستهلك فقط مهما تطورت جامعاته ومدارسه وأشكال الدراسات الأكاديمية فيه.

التحول من طور تاريخي إلى آخر، هو في جوهره تحول في الثقافة والعلاقات الاجتماعية، وتطور في مفهوم الهوية من مجرد تعبير عن الانتماء للوطن، إلى مشاركة فعلية في تنمية هذا الوطن ودعم مسيرته الحضارية.

عندما انتصرت الثورة الثقافية في الصين عام 1949، كانت تعبيراً عن انتصار الإرادة الاجتماعية وحقها في تقرير مسار المجتمع الصيني. وللحفاظ على توجه إنمائي إيجابي للمسار الاجتماعي، أولت الثورة موضوع الثقافة الاجتماعية أهمية كبرى، فوزعت الكتب على الفلاحين والعمال، وخصصت ساعات طويلة من القراءة تمارس في المزارع والحقول والمصانع والأماكن العامة.

فكان أن ساهمت التنمية الثقافية للمجتمع الصيني في نمو البنية المعيارية الاجتماعية، التي على أساسها استطاع الشعب الصيني تحديد توجهاته الاقتصادية والانتقال من شعب يمارس وظيفته الاقتصادية المحدودة الخارجة عن إرادته ووعيه، إلى شعب من أكثر شعوب العالم انتاجاً والتزاماً بانتمائه لبنيته الاقتصادية التي صنعها بتصوراته وأحلامه في التطور.

هذا ما حدث أيضاً إبان الثورة الثقافية في فرنسا عام 1789 والتي امتد تأثيرها الى كافة انحاء أوروبا. بعد انتصار الثورة، أسس منظرها الأول جان جاك روسو نظرية العقد الاجتماعي، والتي على أساسها تخلصت شعوب أوروبا من هيمنة الثقافة التي سادت ما قبل الثورة، وحاربت العلوم والآداب وكافة أشكال التعبير عن الهوية والثقافة الاجتماعية، وشقت طريقها الثقافية التي اطلقت طاقاتها الانتاجية الكامنة.

إن نهضة الأمم المتقدمة كما ورد في المثالين أعلاه، لم يكن لها ان تتحقق لولا إعادة الاعتبار لثقافتها الاجتماعية، ولمخزونها الفكري والوجداني الذي ملأ الفراغ بين الإرادة وبين الفعل، ونقلها من العبودية، الى صانعة ومالكة لوسائل إنتاجها، مدفوعة بتراثها الذي أعاد لها ثقتها بطاقاتها، وموقعها الطبيعي كباني وحامي عملية التقدم.

كما نلاحظ من هذين المثالين أيضاً، أن المؤسسات الأكاديمية والعلمية وكافة أشكال الفعل الثقافي في هذين البلدين، جاءت بمجملها كنتاج طبيعي يعبر عن إرادة الشعوب في خوض تجربتها ومسيرتها الخاصة التي تميز مكانتها بين الأمم. وهذا هو الدرس التاريخي الأهم من هذه الأحداث، بأن قرار التنمية لا يمكن أن يتم اسقاطه من فوق بدون إحياء الثقة لدى قوى الانتاج الاجتماعي بأنها قادرة على الانتقال من موقع المستهلك الى موقع المنتج إذا توفرت الظروف الموضوعية والمادية المناسبة، وبأن المجتمع هو غاية التنمية وأداتها ونبع ثقافتها.

يبقى السؤال، هل نحن بحاجة الى نسخة طبق الأصل عن الأحداث التاريخية التي مرت بها الشعوب الأخرى حتى ننهض بقوانا الاجتماعية ونعيد صياغة ثقافتنا وموقعنا على خارطة الاقتصاد العالمي؟ الجواب بكل بساطة، إننا فعلاً نمر بمنعطف تاريخي حاسم نستطيع من خلاله- إذا ما استوعبنا دروسه بعمق- القيام بهذه المهمة. إذ ليس بالضرورة أن تحدث الثورات والانقلابات لنرتقي بثقافتنا ودورنا الاجتماعي وننخرط بالتنمية.

هذه المرة قام النظام الاقتصادي العالمي بالمهمة لوحده نيابة عنا، فانقلب علينا وثار، وعبّر عن ثورته بأزمات اقتصادية عالمية متتالية كان آخرها أزمة عام 2008 التي لم تنته آثارها بل تواصلت في التعبير عن ذاتها بأشكال مختلفة، من ركود في الأسواق العالمية التي كانت نشطة في السابق، الى ما أحدثه هذا الركود من تباطوء في نمو الاقتصادات الضخمة، وما تلاه من ضعف الطلب على النفط وهبوط أسعاره الى مستويات تجاوزت حسابات الدول المصدرة لهذه السلعة التي اعتمدتها في إقرار موازناتها العامة، ناهيك عن زيادة معاناة البلدان النامية، التي قطعت عليها هذه الازمات أي أمال بتنمية قريبة.

لقد أثبتت هذه الأزمات المتتالية، أن الاقتصاد الذي يقوم على الريع فقط، أي الإعتماد على مصدر واحد للدخل وهو بيع ثرواته الطبيعية بدون أن تمر بعملية تصنيع تضاعف من قيمتها، أو بدون أن تساهم هذه الثروات في بناء قاعدة انتاجية متنوعة تغني وتنوع الناتج الوطني العام للدولة، معرّض أكثر من غيره للتأثر العميق وطويل الأمد بالأزمات. بينما الاقتصاديات المنتجة للسلع والبضائع التي تمر بعمليات تصنيع محلية، والتي تملك محفظة متنوعة من مصادر الدخل سيكون تأثرها بالأزمات محدوداً وستتعافى سريعاً قبل غيرها.

لقد خص الله الأمة العربية بتجربة تاريخية عريقة، أنتجت شعوباً أصيلة لها من الجذور الثقافية العميقة في التاريخ، ما يمنحها هويتها المميزة ومكوناتها الاجتماعية الراقية التي تتمثل بالانتماء الحقيقي والجهوزية والاستعداد للعمل، ومَنّ عليها من الثروات والإمكانيات ما يجعلها قادرة على خوض تجربتها الخاصة نحو تحقيق التنمية والاستدامة.

لكن هذه المقومات وحدها لن تكون كافية للانتقال بنا من طور تاريخي إلى آخر، إلا إذا راجعنا ثقافتنا التي سادت لعصور، واستطعنا تجاوز حاجز المسلّمات، بأننا شعوب خلقت لتستورد وتستهلك، وبأن تفوق الآخر علينا هو تفوق أبدي، وبأن مكانتنا على خارطة الاقتصاد العالمي لن تتغير.

إننا ندرك أن عملية التحول في الوعي الاجتماعي هي عملية تراكمية طويلة، تحتاج الى وضع حجر الأساس المتمثل بالإرادة في تغيير دورنا ووظيفتنا الاجتماعية، لكنها عملية ممكنة إذا توافرت لها مقومات استمراريتها ونجاحها.

منطق المسلّمات منطقٌ منافٍ للتجربة التاريخية، التي أثبتت أن الثقة بالذات الاجتماعية، والإيمان بالطاقات الجماعية هو مدخل عصر الانتاج والابتكار.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا