جعل الله الموت نهاية للحياة الإنسانية في هذا الوجود الأرضي، غير أن المسلم يعتبر أن الموت راحة وفاتحة لحياة جديدة سيكون فيها كثير من اطمئنانه وسعادته مصداقا لقوله تعالى ’’’يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ..، صدق الله العظيم.
ومع هذا فان وفاة قريب نحبه أو صديق حميم تملأ قلوبنا بالحزن والأسى ، وان كان البعض منا يتركون وراءهم فراغا كبيرا يتجاوز الإحساس به دائرة أقاربهم وأصدقائهم ومعارفهم ، ومن هؤلاء فقيدنا الكبير المغفور له ’’محفوظ ولد خطري’’ تغمده الله برحماته وأدخله فسيح جناته ،لقد كان إنسانا هادئا ، خلوقا ومهذبا حلو المعشر، كان سياسيا من أعلى المستويات ملأ الدنيا وشغل الناس .
لا يحب الظهور في وسائل الإعلام، رغم تهافت الكثيرين على التباري أمام العدسات، فكانت أول مقابلة وآخرها تلك التي أجراها مع وكالة أنباء الأخبار المستقلة ولم تصدر عنه فيها كلمة نابية تجاه أي من الخصوم، فكان يتحرك في سكون عند اشتداد الأزمات في البلاد ما جعله بحق أحد رجالات الدولة الموريتانية القلائل الذين لم يساوموا على المصلحة العليا للوطن.
كانت أول مرة أراه فيها بأم عيني أواخر شهر يوليو الماضي ، حيث انتبهت كغيري من الحضور لما سيقوله الفقيد في جمع الوقور من الناس ، كانت كلمات قليلة وموجزة ودالة ، وقد طبق بإتقان خير الكلام ما قل ودل وخرج من دون إثارة ولا صخب، ولم أزدد إلا تأكدا مما سمعته عنه في صغري من حكايات عن حنكته السياسية وفطنته.
لقد ظل الرجل وفيا في تحالفاته السياسية ، ولا يمكن لأي نظام سياسي مهما كانت قوته التغاضي عن مكانته بين ذويه ومناصريه ، وعندما دخل قبة البرلمان لم يتنابز بالألقاب رغم اختلاف الآراء والمواقف ، بل كان يبدو فيها كأن على رأسه الطير من شدة الوقار.
بكل تأكيد ، فان الأمة الموريتانية اليوم تبدو مكلومة للحدث الجلل فعندما انتشر خبر وفاته كالنار في الهشيم وطارت معه الأفئدة وبلغت القلوب الحناجر، ولاغرو فالرجل شكل ذاكرة قيمية كبيرة على مدى الأربعة عقود الماضية وبالتالي يعد فقده خسارة كبيرة.
وفي الأخير ليس بوسعنا نحن بني البشر أن نفعل شيئا إزاء من تخطفه المنون من بين أيدينا ، ولكن بوسعنا مواساة ذويه والدعاء لهم بالصبر والسلوان، والقول معهم إنا لله وإنا إليه راجعون.
أبي ولد عالي ولد مولاي هاشم