عندما نتحدث عن مستقبل الصناعة المصرفية الإسلامية، لا يمكن لنا أن نتحدث عن ذلك بمعزل عن الظروف الاقتصادية المستجدة التي تسببت بها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي قاطبة، والسؤال الذي أصبح يتردد على ألسنة العديد من خبراء الاقتصاد هو : هل العالم مقبل على مرحلة جديدة من مراحل الكساد الكبير أو الانهيار في المنظومة الاقتصادية العالمية؟، يبدو أن هذا السؤال منطقي لما نشهده اليوم من انتكاسات اقتصادية وتراجع لمعدلات النمو الاقتصادي في العديد من دول العام؛ إفلاس شركات ومؤسسات ضخمة وتسريح لعشرات الآلاف من العمال.
ما وددنا الحديث عنه بعد هذه المقدمة هو هل نحن جاهزون لمواجهة أي تطور جديد قد تتعرض له الصناعة المصرفية الإسلامية في وجود تحديات خارجة عن إرادتنا كما هو الحال في أزمة كورونا؟ وهل يمكن لها أن تكون ذاك اللاعب نفسه في مواجهة الأزمة المالية السابقة؟
هناك العديد من التحديات التي تتطلب وضع استراتيجية مدروسة ووضع خطط لأسوأ الاحتمالات تسمح لنا الثبات في وجه العاصفة حال وقوعها، اذا كانت لا تسمح لنا المعطيات العالمية والمحلية بالمساهمة في التخفيف من حدتها على الأقل، ويمكن لنا تأشير بعض هذه التحديات وإيجازها بما يلي :
– تراجع النشاط الاقتصادي العالمي وفي القطاعات كافة بسبب جائحة كورونا والإغلاقات التي شهدتها العديد من الدول مثل إغلاق المطارات وتنقل الأفراد وما تبع ذلك من إفلاس للعديد من الشركات وتسريح الآلاف من الأيدي العاملة.
– تراجع أسعار النفط وانعكاسه على اقتصاديات الدول المصدرة له، ومنها السعودية ودول الخليج العربي التي تعد الحاضنة الرئيسية للنشاط المصرفي الإسلامي، ومع استمرار هذا الوضع فإنه من الممكن أن يؤثر على نمو حجم الأصول لدى المصارف الإسلامية، إضافة الى ما يمكن أن تتعرض له هذه الدول من اختلالات ومشاكل في موازناتها قد تعيق من تحقيق نمو اقتصادي طموح يشكل أرضية مناسبة لزيادة حجم مساهمة قطاع المصارف الإسلامية فيه.
– التقلبات الاقتصادية التي تتعرض لها بعض الدول الرأسمالية، خاصة تلك التي أبدت رغبتها في احتضان بعض النشاطات المالية الإسلامية، ارتفاع لمعدل البطالة في هذه الدول وتراجع معدل النمو الاقتصادي لديها، وقد طالت هذه المشاكل الاقتصادية كلا من اليونان والبرتغال.
– عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده العديد من الدول العربية والإسلامية في المنطقة، الأمر الذي انعكس على تراجع فرص الاستثمار وهجرة رؤوس الأموال الى أماكن أكثر أمانا أدت الى حدوث فراغ اقتصادي وغياب لنشاطات المصارف الإسلامية في هذه الدول، في الوقت الذي كان من المؤمل فيه أن تمثل أسواقها المالية والمصرفية إضافة نوعية للصناعة المصرفية الإسلامية.
– ثم انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ”بريكست Brexit”، وإجماع العديد من الاقتصاديين على أن هذا الانسحاب سيعمل على تراجع دخل الفرد الحقيقي في المملكة المتحدة على المديين المتوسط والطويل، في الوقت الذي تسعى فيه لأن تكون عاصمة للمالية الإسلامية وجسرا لمرورها الى بقية دول الاتحاد الأوروبي.
– التحدي الرقمي في ظل جائحة “كورونا” وما ترتب عليه من إجراءات وقائية وحجر منزلي، أصبحت فيها المؤسسات المالية والمصرفية في ضرورة حتمية لتغيير أولوياتها، بحيث يجب النظر إلى المستقبل بنظرة أكثر اعتماداً على التكنولوجيا والاستفادة القصوى منها لتحقيق الفاعلية والكفاءة والربحية وتخفيف الخسائر خلال الأزمات، لاسيما وأن منطقتنا العربية والإسلامية محفوفة بالمخاطر المتعددة.
وعلينا أن نستعد لهذا التحدي وبكل ثقة؛ فكما تجاوزنا نتائج الأزمة المالية العالمية التي تداعت أمامها وانهارت أضخم المؤسسات المصرفية العالمية، فإن قطاع المصرفية الإسلامية يمتلك إمكانات اقتصادية مادية وأخلاقية اذا أحسنا استخدامها سنواجه جميع هذه التحديات ولو بعد حين.
* غسان الطالب باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي