الجزيرة نت ــــ لا يتعدى عدد سكان موريتانيا ثلاثة ملايين إلا بقليل، ومع ذلك تنشط فيها ثلاث شركات اتصال تنهب جيوب مواطنيها صباح مساء.
ورغم أنه لم يمض على دخول شبكة الجوال إلى موريتانيا سوى نحو عقد من الزمن فقد تضاعفت أعداد المشتركين بشكل مذهل ووصل استهلاك الناس إلى أرقام قياسية.
ولا تقف المفارقات في علاقة الموريتانيين بشركات الجوال عند أعداد الاشتراكات في الشبكات الثلاث التي زادت على مليوني اشتراك وقارب حتى العدد الإجمالي للسكان، بل يتعدى الأمر ذلك إلى أن إجمالي ما ينفقه الموريتانيون على الاتصال زاد على ما ينفقونه في استجلاب غذائهم من خارج حدودهم.
يقول الاجتماعيون إن الموريتانيين يتواصليون بطبيعتهم، ويقول الاقتصاديون إنهم فوضويون يبددون ثروة بلادهم دون طائل. وفي كل الأحوال فإن الجميع، بما فيهم شركات الاتصال، متفاجئون مما وصل إليه الاستهلاك والاشتراك في شبكات الجوال.
ثقافة استهلاكية
ويؤكد الصحفي الاقتصادي محمدن ولد آكاه أن تقارير سلطة التنظيم الموريتانية وهي الجهة الوصية على شركات الاتصال تقدر أن الموريتانيين تحدثوا خلال العام 2009 أكثر من 1.4 مليار دقيقة، وهو ما يعني في المتوسط أنهم أنفقوا زهاء سبعين مليار أوقية (الدولار الواحد يساوي 270 أوقية) على الاتصالات، أي ما يساوي نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي لموريتانيا.
ويضيف ولد آكاه في حديث مع الجزيرة نت أن هذا المبلغ يزيد على ما أنفقته الدولة الموريتانية في استيراد المواد الغذائية الأساسية خلال العام 2007 الذي كان في حدود 66 مليار أوقية.
ويشير إلى أن المعطيات تؤكد أن نحو 40% من المشتركين في شبكات الجوال يحملون ثلاث هواتف بمعنى أنهم مشتركون في كل الشبكات، كما أن بعض المشتركين ينفقون قرابة نحو نصف دخلهم في شراء أرصدة الهواتف، وهو ما يجعل الموريتانيين يطلقون على سوق الهواتف في العاصمة "نقطة ساخنة"، وهي كذلك ساخنة وملتهبة وناهبة لجيوب الناس بحسب ولد آكاه.
إسراف في الإنفاق
وفي حين تبدو ظاهرة الاستهلاك المفرطة للهاتف غير منطقية يرى الخبير الاجتماعي سيدي محمد ولد الجيد أن الأمر يأتي في سياق أشمل من غياب الترتيب والتنظيم ومن الإسراف في الصرف والفوضوية في الاستهلاك التي يعانيها المجتمع بشكل عام.
وأرجع ذلك في تصريح للجزيرة نت إلى ضعف الوعي المدني في مجتمع لا يزال حديث عهد بالبداوة، وإلى اتساع العلاقات وتشابكها وتعقدها داخل المجتمع بحيث يجد الفرد نفسه مرتبطا بشبكة واسعة من أنواع القرابات والصلات، وهو مكره بحكم العرف الاجتماعي على التواصل معها بشكل مستمر.
وشدد ولد الجيد على أن الفوضوية الحالية في استهلاك الهاتف لا تبررها الأبعاد المنطقية، وصارت تفرض على السلطات أن تتدخل للقيام بحملات تعبئة وتوعية، ليس فقط لأن الضرر الاقتصادي بات جسيما وكبيرا، بل أيضا لأن المخاطر الاجتماعية والأخلاقية المترتبة على بعض استخدامات الهاتف خصوصا من قبل الشباب والفتيات أصبحت بادية للعيان، ومؤثرة على استقرار وسلامة المجتمع.
أمين محمد-نواكشوط
الجزيرة نت