وزيرالداخلية : يجب الابتعاد عن المخاطر قرب الحدود مع مالي :|: وزيرة : تمثيل النساء وصل 30‎%‎من القوة العاملة في موريتانيا :|: الحكومة : لا توجد أي مشكلة مع مالي :|: ماهي أنواع الرهاب الاجتماعي ؟ :|: أكبر 10 اقتصادات في العالم لعام 2024 :|: موريتانيا تشارك في القمة الافريقية-الأمريكية :|: عودة رئيس الجمهورية من العاصمة بانجول :|: المجلس الوطني للحزب الحاكم يصوت لترشيح ولد الغزواني :|: مرشحون للرئاسيات يعقدون مؤتمرا صحفيا :|: الثقافة التزام... أو لاتكون !..د. محمد ولد عابدين * :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
 
 
 
 

يحي ولد حامد.. أضاعوه، وأي "عبقري" أضاعوا/ د. يعقوب ولد امين

vendredi 18 mars 2011


انتقل يحي ولد حامدٌ صاحب النفس الزكية والصفاء الذهني إلي الرفيق الأعلى. تاركا وراءه تلامذته وحوارييه يتجرعون هذا المصاب الجلل وحسرة افتقاد هذا الجهبذ الذي سخر كل حياته لنشر أنوار العلم وفضائل البحث المضني عن الحقيقة.

لقد رفع الفقيد من قيمة موريتانيا وكان من القلة الذين أعادوا للمسلمين شيئا من مكانتهم مذكرا الإنسانية بالدور الحضاري العظيم الذي لعبه العلماء المسلمون الأوائل. حين كان الخوارزمي وجابر ابن حيان والكندي وغيرهم أساطين العلم ورواده ومؤسسيه.

وصل يحي ولد حامدٌ إلي العالمية ووضع قرابة مائة اثر علمي وتلتقي أبحاثه بحقول علمية عديدة، من الجبر وعلم الأعداد إلي المعلوماتية النظرية، التلقائيات، الذكاء الاصطناعي،..... الخ.

وكان رحمه الله علي وعي كامل بأهمية التصالح بين العلم ودار الإسلام، تلك العلاقة التي تدهورت كثيرا في القرون المنحطة الأخيرة بحكم تفشي الاستبداد واستشراء الفساد والظلامية، حتى هجر العلم حاضنته الأولي وتقهقر المسلمون وأصبحوا أتباعا وهامشيين في عملية التفاعل الحضاري والسباق المحموم نحو الأفضل.

هذا الإحساس بالمسؤولية وبالمهمة الحضارية هو ما منع الفقيد من الاندماج الكامل بالمجتمعات الغربية التي فتحت له الأبواب علي مصراعيها واضعة إياه من بين آخرين علي قمة الهرم العلمي كان يحي ولد حامدٌ في مولده ومدفنه مواطنا من دولة مسلمة وفقيرة يسافر بجوازها ويفتخر بامتلاكه بيتا بين ظهرانيها خلافا للكثير من علماء الإسلام الذي دفعتهم عوادي الزمان إلي تغيير جنسياتهم وأوراقهم الثبوتيه وأحيانا أسمائهم. هذا الارتباط العاطفي بأرض المولد والمدفن لم يمنع الرجل من أن يصبح احد اكبر العلماء في العالم في مجال الرياضيات.

الجهد ألتنوري يتجلي في كل اهتمامات المرحوم السياسية والاجتماعية، من الدفاع عن حرية الرأي وإرساء الديمقراطية إلي الدفاع عن البيئة وحتى جمع شمل العلماء والباحثين الموريتانيين في إطار مؤتمر دوري ما كان له أن ينعقد لولا المكانة العلمية الرفيعة والسلطة الأخلاقية التي تمتع بها عند الجميع. وكان من آخر مشروعاته النهضوية إنشاء فصول تحضيرية في انواكشوط تسمح للنوابغ من تلاميذ موريتانيا بولوج مدرسة بوليتكنيك العريقة في باريس.

ولد يحي ولد حامدٌ 1947 في كنف عائلة علمية تدرس أفرادها بالطرق التلقينية القديمة لغة العرب وأيامهم وتدفعهم إلي التبحر في العلوم الإسلامية بدءا بالقرآن الكريم والأصول مع تميز استثنائي في علمي المنطق والاوفق.

لقد كان المختار ولد حامدٌ - والد الفقيد- رجلا استثنائيا بكل المعايير امضي جل حياته أي قرابة قرن باحثا عن الحقيقة في كل شواردها لا متهيبا في ذلك الأحكام المسبقة ولا سطوة الذهنيات المتحجرة حتى قارنه المستشرقون بعبد الرحمن ابن خلدون.

قادته مسيرته العلمية إلي أن يستظل بالمقطن وكان معه ضمن آخرين ابنه المرحوم يحي ولد حامدٌ، الذي سنحت له الفرصة بالدراسة والتحصيل في قاهرة المعز حيث تخرج من جامعة عين شمس بشهادة البكالوريوس في الرياضيات سنة 1970.

إثر تخرجه عاد أدراجه إلي الوطن وانخرط في سلك التدريس حيث عين أستاذا لمادة الرياضيات في الثانوية الوطنية بانوا كشوط وهي الثانوية الوحيدة في تلك الأيام. وبطبيعة الشاب التواقة إلي الأفضل وجد ولد حامدٌ نفسه منحازا لمعسكر الرفض المتمثل في شباب الكادحين رغم العلاقة الفريدة التي جمعت والده بالرئيس المختار ولد داداه. معارضة الفقيد لبقايا الهيمنة الكولونيالية الفرنسية ولشمولية الحزب الواحد كلفته الكثير إذ عرف زوار الفجر وأقبية المحققين وزنزانات الاعتقال التعسفي

احباطات العودة والرغبة العارمة في سبر واستكناه علوم الجبر دفعت الرجل بعد خمس سنوات غير مريحة إلي طريق المنفي وهكذا نزل بباريس كبري حواضر اوربا وعاصمة الرياضيات دون منازع في تلك الأيام البهية. حيث استهوته دراسة نظريات الرسوم البيانية في أبحاثه الأولية علي مستوي شهادة الدراسات المعمقة لافتا انظار مدرسيه واقرانه بقدراته الحدسية المنقطعة النظير، الأمر الذي جعله موضعا لعناية البروفسور لاس فرغناس الذي طالما وصفه بالعبقري الذي أتي من بعيد.

بعد مناقشته لأطروحة الدكتوراه السلك الثالث سنة 1978 عن النظرية التواصلية اعترفت به المجموعة العلمية كخبير في هذه المادة وانفتحت أمامه أبواب المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي الذي يعتبر معهدا فخيما لصفوة الصفوة من الباحثين والعلماء. وبالموازاة مع ذلك عمق أبحاثه واكتشافاته في بيت علوم الإنسان ثم ناقش أطروحة دكتوراه دولة 1980 لينال رتبة باحث من درجة أولي في المركز سالف الذكر.

من النتائج الباهرة التي وصلت إليها أبحاث البروفسور الموريتاني اللامع يحي ولد حامدٌ برهنته علي صدقية فرضية كاكسيتا-هاجكفست حول بيانات القمم المزاحة. ومن نتائجه ذائعة الصيت برهنته علي فرضية اردوس-هيلبرون التي نشرت في مجلة الجمعية اللندنية للرياضيات.

وكان من آخر نتاجه الغزير سنة 2010 برهن رائعة لنظرية كينسير وهي إجابة من هذا العالم النحرير لتساؤل عصي وضعه العالم الياباني الفذ تاوو (الحاصل علي ميدالية فيلدز المعادلة لجائزة نوبل بالنسبة للرياضيات) ويتعلق السؤال ببعض جوانب نظرية كيسنير في الزمر المتنافرة.

للمرحوم نظريات في علم الأعداد وفي حالات الاندماج وتتصل نظرياته عموما بحقول علمية شتي يمكن تطبيقها علي علم الإحصاء والاحتمالات كما تتصل جوانبه الرقمية بالمغاليق المعلوماتية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

يشهد الباحثون والعلماء علي خبرة الرجل ومواهبه الحدسية التي تجعله يصل إلي النتيجة بسرعة مذهلة قبل بناء المحاججة والتسلسل المنطقي الذي تبني عليه الاستدلالات الرياضية وهذا ما يفسر تمتعه بنور العبقرية الذي جعله ينام ملء جفونه عن الشوارد ويسهر الخلق جراها ويختصم.

هذه العبقرية الفريدة التي حظي بها المرحوم صاحبتها روح التواضع المفرط إلي حد الزهد. إذ لم يستخدم الرجل الدعاية والإعلام لتسويق معارفه فجل أعماله عرفت طريقها إلي النشر بجهود الباحثين والمهتمين لان المرحوم لم يكن باحثا عن المجد ولا عن الشهرة بقدر ما كان باحثا عن الحقيقة مقدرا للعلم من أجل العلم ومتجنبا الخوض في العلوم أمام الاغيار. وهكذا جاء إلي الدنيا نقيا نظيفا ومنها رحل نقيا نظيفا بلا تبجح وبلا رياء.

تربطني بالمرحوم علاقة إعجاب وود وقد كان له الدور الكبير في إقناعي بالترشح لجائزة شنقيط وهو ما كنت لا أنوي القيام به فقد سبق أن حصلت بيني وبين الأوساط الجامعية الموريتانية حوادث أفقدتني الثقة في موضوعية هذه الأوساط، ومع إلحاحه وإطراءه لأبحاثي التي نشرت في مجلات عالمية مختصة كان له رحمه الله واسع إطلاع بها، فقمت نزولا عند رغبته بالترشح لتلك الجائزة ونلتها وكان لذلك اثر كبير في جبر الخاطر والعودة والاستقرار بموريتانيا الحبيبة التي أحبها ولد حامدٌ ودفع عقولها المهاجرة إلي العودة إليها بقدر ما استطاع.

إن فقدان هذا الرجل الاستثنائي رزء عظيم وفاجعة كبري ومن الوارد جدا ان يبادله الموريتانيون الحب الذي أعطاهم وان يحاولوا مكافئته بعد أن رحل بالثبات علي طريق البحث العلمي الدؤوب وتقدير العلماء ورثة الانبياء وياحبذا لو أطلق إسمه هذا الرجل المفخرة علي جامعة نواكشوط اليتيمة، فامة لا تقدر الافذاذ والعباقرة من ابناءها امة محكوم عليها بالزوال.

وفي الختام أبتهل الله عز وجل أن يرحم هذا الإنسان الرائع وأأ أن يسكنه المنازل العلي في جنان الخلد صحبة الانبياء والصالحين وان يلهم ذويه الصبر والسلوان آمين يا أرحم الراحمين. الأسيف : د. يعقوب ولد امين أستاذ محاضر في الرياضيات جامعة نواكشوط

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا