في مثل هذا اليوم من العام 2010 رحل عن الدنيا المغفور له محمد ولد السالك تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
اليوم نحيي ذكراه السنوية الأولى، فنتذكر رجلا شهما فقدته موريتانيا في وقت مبكر من عمره ، وهي في أمس الحاجة إليه وإلى أمثاله من النبلاء الذين يعطون ولا يأخذون.
ولد المرحوم محمد ولد السالك في سنة 1965 في مدينة لعيون ،تلقي تعليمه في مراحله الأولى فيها، وبعدها حصل على شهادة البكالوريا ،شعبة العلوم، ودرس في جامعة نواكشوط سنتين، ولكن لم يستمر لأنه كان يرى أن من الواجب عليه الالتحاق بركب المحبين للوطن المدافعين عنه، فالتحق بالمدرسة العسكرية في أطار، وتخرج منها ليكون قائد السرية الأولى في كتيبة المدرعات.
كان نعم القائد المتواضع في شموخ وإباء، شهد له الجميع بحسن الخلق، والتفاني في خدمة الغير، وقد وثق فيه جميع قادته، ألف حينها كتابا بعنوان : عمليات الرعيل الأول، وقد طبع على حسابه.
في عام 2003 شارك في انقلاب 8 يونيو الذي زلزل أركان الطغيان يومذاك. وبعدها أسس مع أصدقائه في المهجر القسري ما عرف بتنظيم فرسان التغيير. وقد كان يمثل الوجه الحقيقي لتلك العملية التي تحتاج إلى إيضاح أكثر لكي تستطيع الأجيال اللاحقة التشبه بهم في الوطنية والتضحية، رحل رحمه الله عن دنيانا بسرعة، وكان كله أمل أن يشاركه الجميع حبه للوطن ولهذا الشعب العظيم.
رحل رحمه الله وترك لنا طلاسم لا نعلم متي سنجد لها حلا ؟ كان رحمه الله يتحلى بصفات المؤمن الحق فلم يحدث كذبا ولم يخلف وعدا ولم يخن صديقا ، رحل رحمه الله وكانت أمنيته الكبرى أن يرى التغيير -الذي تحرك له زمن السكون- يتحقق، لكن لكل أجل كتاب.
رحمه الله كان يريني تلك الأحياء الفقيرة ويقول لي : من يفكر في هؤلاء ، من ينقذ هؤلاء ، من يعطيهم حقهم ؟
كنت ككل النساء للأسف ، أقول له ونحن في المنفي : لم لا تحاول أن تبني لنفسك مستقبلا كالجميع حتى إذا عدنا وجدنا لك أمامنا، كان يقول لي مقولة - لا أذكر قائلها الآن- : إني أفضل أن أعيش فقيرا وسط شعب كله أغنياء، ولا أحب أن أعيش غنيا وكل من حولي فقير.
ذلك هو محمد ولد السالك كان يحسب حساب هذا اليوم ، كان كمن يعد العدة لرحيل سريع ، كان رحمه الله له الفضل الكثير وسيثبت التاريخ ذلك في حل الكثير من المشاكل التي كانت ستؤدي إلي ما هو أخطر لم يختلف يوما مع احد ، حتى أنه كانت تطرح أفكار ومخططات، كانت ستعصف - لو نفذت- بالبلاد فيرفضها بشدة ويعلم البعض ما هي تلك المخططات وكان له الفضل في تصحيح الكثير من الأخطاء فعل رحمه الله الكثير لإنجاح ذلك المشروع لكن العواصف كانت أقوى منه .
ماذا أقول في ذكراه؟
حين تتذكر شخصا كان بلسما يداوي الجراح، شخص كأنه بسمة ترتسم علي الشفاه إذا ذكر اسمه في هذه اللحظات أتذكره، فقد نعيش مع بعض الناس عصورا لكن ليس لذكراهم ذلك الحنين المبتسم، كما قد نلتقي أشخاصا دقائق فلا يبرحون الذاكرة.
ورحمه الله كان كذلك فقد كتب له القبول والخلود، كتب له ذلك بكل معانيه، فإن انتهى عمره فلم تنته ذكراه.
أأكتب ؟
ماذا أكتب؟
سأنشد علي لسان الشاعرة سعاد الصباح :
أعرف بين رجال العالم رجلا
مر بعمري كالإسراء
علمني لغة العشب
ولغة الماء
أعرف بين رجال العالم رجلا
يعرف الأسرار
يعرف التاريخ...
أصعب ما يكون مخاطبة عزيز فارقك، حبيب فارقك رغم حسرتك وألمك، إن ما يؤلم النفس ويمزق الفؤاد ويفتت حنايا الروح هو فقدان الأعزة والأحباب، بعد ألفة ومحبة، فكم سالت عليهم العبرات، وزادت الآهات، وزاغت النظرات.
ودعته وبودي لو يودعني == صـــــفو الحياة وإني لا أودعــه
لا أكذب الله ثوب الصبر منخرق == عني بفرقته، لكن أرقعه
لكن عزائي أنك رحلت سليم القلب، نقي الفؤاد، نظيف اليد، وفيا لمبادئك..
أعذروني واقبلوا عذري فالذكرى تبعث الأسى !
كان الذي خفت أن يكون ...
"إنا إلى الله راجعون"
عليك سلام الله أيها الراحل الحبيب .