في غمرة التحولات والمتغيرات التي تطفو على واقع عالمنا العربي والتي تضرب أمواجها بقوة أركان ساحتنا الوطنية بكل أبعادها واهتزازاتها مما يضعنا دون شك في قلب حدث لا ندرك أبعاد تشكلاته واملاءاته ومآلاته.
إنه حدث يدعونا بل ويفرض علينا أن نقرأ من خلاله – وليس بالضرورة به - واقعنا السياسي وآفاقنا المستقبلية مستلهمين من ضرورة التغيير ومستحضرين في نفس الوقت خصوصيتنا المجتمعية والتي لا يتلائم معها إلا حراك هادئ يحقق لنا أهدافنا في ظل الاستقرار والسلم الأهلي.
إن واقع بلدنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكما قال الزعيم الوطني مسعود ولد بلخير- يتطلب تصحيحا وتقويما وتغييرا في كل الاتجاهات – واقع لطالما ظل في حالة مرضية مستعصية العلاج على الانظمة التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، واقع يغيب فيه التخطيط الممنهج للمستقبل والقراءة الصحيحة للماضي والحلول الجذرية للواقع. إنه بكل ألم وحسرة ناتج عن عوامل مركبة يتداخل فيها فساد الانظمة مع انتهازية بعض السياسيين وتلكؤ المثقفين وغياب الوازع الديني والوطني الواعي لدى الواعظين والمرشدين الذين نصبتهم الأنظمة أو نصبوا أنفسهم باسم الدين ، بالإضافة مع ذلك إلى عقلية مجتمعية تهدم ولا تبني تستلهم من الفكر الجاهلي أسس العلاقات مع الآخر داخل مجتمع متعدد الثقافات والأعراق يشعر أغلب أبنائه بالظلم والغبن والتهميش والإقصاء. إن واقعا كهذا يتطلب من أبناءه أن يتنادوا إلى كلمة سواء من أجل تماسك وطني يجعل من التنوع الثقافي والعرقي وحتى السياسي عامل ثراء وقوة لا عامل تفكك وعداء وضعف امتثالا للآية الكريمة
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير" تلك هي خلق القرآن التي غابت عن مجتمعاتنا منذ فترة غير قصيرة ، لقد حان الوقت أن نقرأ بتمعن وثبات ووطنية مسار مصالح البلد بعيدا عن الروح الحزبية الضيقة والبحث عن الزعامة الشخصية والنظرة الانتخابية التي كثيرا ما تكون على حساب الوطن ، إن واقعنا السياسي المنهك والمثقل بالجروح قد جعل البعض يحاول أن يضعنا بين خيارين أحلاهما مر إما أن نبقى على الواقع السياسي الحالي والذي بتراكم أخطائه قد نجد البلد في وقت ليس ببعيد في طريق مسدود على كل الأصعدة والذي يتغنى الراضين عنه والمستفيدين منه بأن البلد يعيش ثورة "عزيزية " من النماء والتقدم والازدهار ، أما الطرف الثاني فإنه لا يجد من حل لهذا الواقع سوى التمثل بالثورة " البوعزيزية " امتهانا لإنتهازية السياسية وبحثا عن النجومية من دون أن يدرك هذا الطرف أن الذين قاموا بتلك التجربة في بلدان أكثر وعيا وأكثر تماسكا لم يصلوا بعد في أحسن الأحوال إلا إلى إسقاط رؤساء من دون إسقاط الأنظمة ومن دون كذلك أن يلوح في الأفق القريب أن أحلامهم قد وجدت طريقها إلى التحقيق في حين أن بعض البلدان الأخرى اتجهت نحو الحروب الأهلية والتدخلات الأجنبية وإشعال الفتنة من طرف أطراف داخلية وإقليمية مردوا على ثقافة الانتقام والتشفي.
غير أن الوطنيين من هذا البلد والراسخين في النضال والثبات على المبادئ والذين يضعون مصالح البلد فوق أي اعتبار آخر وعلى رأسهم الزعيم الوطني مسعود ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي قد رأووا حلا آخر لمعضلة البلد فلم يرضوا عن الواقع بكل أبعاده ولم يروا كذلك أن يتجه البلد نحو المجهول والفتنة والفوضى فركنوا للحوار عندما جنح النظام لهذا المطلب ، وهكذا صدع الزعيم الوطني مسعود ولد بولخير بالصوت الحق من أجل حل مشاكل البلد عن طريق الحوار الهادف والبناء وإبعاد شبح الفتنة والحروب الأهلية وهو يتوكأ في ذلك.
على عوامل تجعل مسار الحوار هو المآل الوحيد والخيار المتاح لهذا البلد ،فبتاريخه النضالي أولا الذي رفض الحلول في الغرف المغلقة مع جميع الأنظمة على حساب الوطن عندما تعامل الجميع مع أنظمة سابقة ومع النظام الحالي وهوكذلك يمتلك قاعدة جماهيرية لا يمتلكها غيره كما أنه كان بإمكانه أن يدعو إلى أحقية بالحكم ويدعو إلى التصعيد بحكم أنه جاء في الترتيب الثاني في الرئاسيات الماضية والذي لولا استخدام هيبة الدولة لصالح أحد المترشحين لكان هو الفائز بكل جدارة وأحقية إلا أنه فضل مصلحة البلد على كرسي الرئاسة كما أنه يمتلك ثقة كل الموريتانيين بكل ألوانهم وشرائحهم ومناطقهم ، لهذا فإن اختياره للحوار ليس ضعفا وإنما قوة ووطنية مهما روج له الحاقدون والحاسدون الذين مردوا على تزييف الحقائق غير أنهم سيدركون في النهاية أن القافلة تسير ( إلى نهاية المثل).
إن منهجية الحوار التي يبحث عنها أبناء الوطن أن توضع مشاكل البلد على طاولة المفاوضات بدون استثناء من أجل وحدة البلد والمساواة بين أبنائه وتحقيق دولة المؤسسات والحكم الرشيد والديمقراطية الحقيقية التي لا تسمح لشخص أو جماعة أو جهة أن تستخدم هيبة الدولة لمصلحة انتخابية ، دولة لا ظالم فيها ولا مظلوم ولا سيد ولا مسود ، دولة تستلهم من التناوب السلمي على السلطة مبراسا لتوجهها دولة يحمي جيشها سيادة البلد ويبتعد عن السياسة ودهاليسا ،ذلك ما نتوخاه من ذلك الحوار الذي نتطلع إليه والذي نقف إلى جانبه ويقف إلى جانبه الغيورين على سلامة البلد وبقاءه وسنقول للذين يقولون لا للحوار إن لاآت الفتنة ستنتصر على لاآتهم، فإن نجح هذا الحوار فذلك ما نبتغي وإن فشل لا قدر الله فلكل حادث حديث.
عبــــدالله العتيـــــق ولد إيــــاهي
رئيس مركــــز دراســـات السلــــم الأهلــــــي