رئيس الجمهورية يصل إلى مدينة كيفه :|: مدير BP موريتانيا : علاقتنا متميزة مع الحكومة الموريتانية :|: بيان من نقابة أحرار التعليم :|: "Aura Energy" تعلن إعادة هيكلة اتفاقية اليورانيوم في موريتانيا :|: تعيينات واسعة ب 3 إدارات في شركة "سنيم" :|: BAD يمول مشاريع للبنى التحتية بموريتانيا :|: المصادقة على اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين موريتانيا والسعودية :|: تحديث جديد في واتساب ينتظره الملايين.. ! :|: اضراب شامل للأطباء المقيمين الأسبوع المقبل :|: الاتحاد الأوروبي : مستعدون لدعم موريتانيا في مجال الهيدروجين الأخضر :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع يظهر في صورة حديثة
 
 
 
 

صعود الإسلاميين : كيف ستغيرهم السياسة وكيف سيغيرونها(*)

د. شادي حميد : مدير الأبحاث في مركز بوركينجز الدوحة/ ترجمة : د. عبد الله ولد بيّان

mardi 5 juillet 2011


لقد ظلت سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مشلولة بسبب معضلة الإسلاميين ، إذ كيف يمكن لها أن تعزز الديمقراطية في المنطقة من دون المخاطرة بوصول الإسلاميين إلى السلطة؟

يبدو الآن أن الولايات المتحدة لم يعد لديها خيار آخر فالثورات الشعبية قد أطاحت بالأنظمة المستبدة الموالية لها في كل من تونس و مصر ووضعت نظام ليبيا على الطريق. وإذا كانت هناك أنظمة ديمقراطية هي الآن في طريق التشكل في المنطقة فإن الإحتمال الكبير هو أن تشتمل على تمثيل معتبر للتيارات الإسلامية السائدة Mainstream islamists. فالولايات المتحدة - أحبت أم كرهت - لابد أن تتعلم كيف تتعايش مع الإسلام السياسي.

كانت واشنطن دائما تستفسر عما إذا كانت الالتزامات الدينية للإسلاميين يمكن أن تتعايش باحترام مع الديمقراطية و التعددية و حقوق المرأة ، لكن ما تخافه الولايات المتحدة حقا هو أنموذج السياسة الخارجية الذي سينتهجه هؤلاء ، فعلى عكس الأنظمة الأحادية الشرق أوسطية الموالية للغرب فإن للإسلاميين تصور مختلف -وإن كان ضبابيا- لعالم عربي ذي كيان مستقل وطامح لأن يكون له دور مؤثر خارج حدوده.

من نافلة القول أن الديمقراطية ستجعل من غير الممكن التنبؤ بمستقبل المنطقة وستجعل بعض الأنظمة المحلية أقل انقيادا للمصالح الأمنية الأمريكية ، لكن غالبية التنظيمات الإسلامية السائدة مثل حركتي الإخوان المسلمين في مصر و الأردن وحزب النهضة في تونس لها وجهات نظر شديدة البراغماتية وقد برهنت على الرغبة في الحلول الوسطى والأخذ بالخيارات الصعبة عندما تطلب بقاؤها ذلك. على الولايات المتحدة إذاً ولتوجيه هذا الشرق الأوسط الجديد الطامح إلى التغير السريع في الإتجاه الصحيح أن تصاحب روح التغيير هذه باستيراتيجية تتمثل في الدخول في حوار مع المجموعات والأحزاب الإسلامية في المنطقة ، فالولايات المتحدة عن طريق تعهداتها يمكن أن تشجع الإسلاميين على احترام المصالح الغربية الأساسية بما في ذلك الدفع بعملية السلام العربية الإسرائيلية إلى الأمام والتصدي لإيران ومحاربة الإرهاب ؛ لذلك سيكون من الأفضل لها تطوير روابط مع التنظيمات المعارضة الآن حيث لازالت الولايات المتحدة تمتلك التأثير بدل الإنتظار حتى تصل هذه التنظيمات إلى السلطة.

السياسة الذكية

الحركات الإسلامية السائدة في الشرق الاوسط والتي في أغلبها أذرع من حركة الإخوان المسلمين المصرية أو منحدرة منها بدأت كأحزاب ذات قضية واحدة منشغلة بها هي الدعوة إلى الشريعة الإسلامية وتطبيقها ، لكنه في بداية التسعينات -ولأسباب متعددة تختص بكل حركة- بدأت هذه التنظيمات تركز على الإصلاح الديموقراطي وتلزم نفسها علنا مبدأ التناوب على السلطة وسيادة الشعب و استقلال القضاء. مع هذا فإن الإسلاميين لم ولن يكونوا ليبراليين ، فهم سيظلون محافظين اجتماعيا وبشكل متجذر غير قابل للتغيير ويحملون أراء يجدها أغلب الأمريكيين بغيضة بمافي ذلك أن حقوق المرأة يجب أن تكون محدودة بالإلتزام بالفصل بين الجنسين ؛ ومن ثم فإنه بإعطائهم الفرصة سوف ينهجون وبكل تأكيد تشريعات إجتماعية محافظة. لكنه حتى الآن ومع الحرص الشديد على قاعدتها الشعبية فقد أبدت التيارات الإسلامية في المنطقة مرونة معتبرة تجاه بعض المخاوف الإيديولوجية الجوهرية ، فبغض النظر عن الدعم الشعبي في العالم العربي لتطبيق الشريعة الإسلامية مثلا إلا أن عدة مجموعات إسلامية -بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين المصرية- بدأت تدريجيا تجرد برامجها من المحتويات الإسلامية الصريحة وفي السنوات القليلة الماضية وبدل المطالبة بدولة إسلامية مثلا بدأ الإخوان المسلمون يطالبون "بدولة مدنية ديموقراطية ذات مرجعية إسلامية" مقدمين بذلك لونا جديدا من الإلتزام بفصل المسجد عن الدولة (وإن لم يكن فصل الدين عن السياسة). هذه الخطوة يبدو أنها موجهة بشكل خاص أو على الأقل في جزء منها لتحسين صورتها و للتخفيف من تخوف المجتمع الدولي. وأكثر من ذلك فقد أطلق التنظيم مبادرة داخلية في 2005 تسمى إعادة تقديم الإخوان المسلمين للغرب.

أبقت هذه التنظيمات الإسلامية فيما يخص خطابها في السياسة الخارجية على السياسة الأصلية للإخوان المسلمين تقريبا فيما يتعلق بالخطاب القومي العربي ومعاداة إسرائيل ، فإلى اليوم لازالت حركتا الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وحركة النهضة في تونس ترفض الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود وتطالب بتحرير كامل الأراضي الفلسطينية التاريخية ، كما أن هذه التيارات لا زالت تنظر إلى حماس كحركة مقاومة شرعية وليست كمنظمة إرهابية. علينا أن لاننسى مع ذلك أن هذه التنظيمات الإسلامية لم تخلق هذا الشعور المضاد لإسرائيل و الموجود في المجتمعات العربية ولكنها بكل بساطة تعكسه وتعمل على تضخيمه ، فبحسب استطلاع للرأي سنة 2005 لبيو غلوبال آتيتيودز (Pew Global Attitudes) فإن 100% من الآراء المستطلعة في الأردن كانت سلبية تجاه اليهود وفي المغرب -بلد أكبر مجموعة يهودية في الوطن العربي- كانت النسبة 88% ؛ فالشرق الأوسط يشكل أرضية خصبة للمواقف العامة المعادية لإسرائيل والتي يتنافس فيها عدد من التنظيمات -ليست فقط الإسلامية وإنما اليسارية والقومية- لإظهار بعدها من إسرائيل. وتجدر الملاحظة هنا أنه بحسب قرب أي دولة لمنطقة الصراع العربي الإسرائيلي تكون هذه المواقف أكثر حدة ، فليس من باب الصدفة أن تكون جبهة العمل الإسلامي -الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين الأردنية- واحدة من أكثر التنظيمات الإسلامية العربية مناهضة لإسرائيل ، مع العلم أن غالبية الشعب الأردني هي من أصول فلسطينية. وعلى العكس من نظيراتها لا تزال جبهة العمل الإسلامي تستخدم اللغة الدينية لتأطير هذا الصراع ، فبالنظر في برنامجه الإنتخابي لعام 2007 فإن الحزب أكد أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين "ديني حضاري" وليس صراع حدود وأراضي كما يؤطره الكثير من التنظيمات السياسية حاليا ، ولا زال ما يسمى بصقور جبهة العمل الإسلامي والذين عادة مايكونون من أصول فلسطينية يؤيدون الإرتباط بصلات قوية مع حماس ؛ في حين أنه في الجزائر وتونس مثلا يأخد هذا الصراع مكانا أدنى ضمن أولويات الإسلاميين المحليين.

من الظل إلى الواجهة

على الرغم من أن أغلب التنظيمات الإسلامية تتقاسم إيديولوجية متشابهة بشكل كبير إلا أن ممارستها تختلف حسب الإكراهات الخاصة محليا وإقليميا كما أنها تتوقف من جهة أخرى على كون هذا التنظيم طرفا في السلطة أم لا ، فعندما يكون التنظيم غير مشارك في الحكومة وتكون النخبة الحاكمة موالية للغرب وذات شعبية ضعيفة يقوم الإسلاميون بالنأي بأنفسهم بعيدا عن سياسات هذه الحكومة لكسب الدعم الشعبي ، فقد ظل أخذ موقف أكثر تشددا من إسرائيل مثلا الطريقة الفعالة للإسلاميين في المعارضة لانتقاد الأنظمة الحاكمة ونعتها بأنها مدينة للغرب وحامية لمصالحه ومعادية للديموقراطية. فقد أصدرت جبهة العمل الإسلامي قبل الإنتخابات البرلمانية الأردنية سنة 2007 بيانا اعتبرت فيه أن الحريات قد تراجعت في الأردن بعد توقيع عمان لمعاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1994 وقد كانت محاولتهم تلك للربط بين موالاة السياسة الإسرائيلية و تضييق الحريات مقنعة لأنها فعلا كانت حقيقية ، ففي سنة 1989 وقبل المعاهدة كان الأردن قد قام بانتخابات حرة لأول مرة منذ عقود وفاز الإسلاميون والقوميون بأغلبية المقاعد ولكن بدخول عملية السلام مع إسرائيل في الأفق في بداية التسعينات انتهج الملك وبصورة متزايدة حكما أكثر استبدادية فحل البرلمان وأقر قانونا انتخابيا فُصّل للحد من قوة الإسلاميين الإنتخابية.

الآن ومع فتح المجال على مستوى الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط فإنه من المرجح أن حركات إسلامية كالإخوان المسلمين في مصر والنهضة [في تونس] ستنتقل من المعارضة إلى الدخول في تحالف أو مشاركة في السلطة. وفي نشوة هذا التحول الديمقراطي فإنه من المتوقع أن أحزابا ديمقراطية جديدة -ربما تضم التنظيمات السلفية والتي هي أكثر تشددا من الحركات الإسلامية التقليدية- آئلة إلى التكاثر. وأثناء المنافسة الحزبية فإن حوافز الإسلاميين للإتجاه إلى مواقف مناهضة لأمريكا لكسب أصوات المتدينين ستكون عالية ، ولكن عندما تصل إلى السلطة فإن مجموعة من الإكراهات و الإغراءات الجديدة ستكون هي المتحكمة. وبدلا من إدارة كاملة للسلطة فإن الإسلاميين على الأرجح سيدخلون في حكومات تحالف أو حكومات وحدة وطنية.

طبعا لا أحد من التنظيمات المعنية يخطط للقيادة الكاملة أو السيطرة الإنتخابية ، فالإخوان المسلمون في مصر صرحوا وبوضوح أنهم لا يسعون للحصول على أغلبية برلمانية. وسيرضى الإسلاميون عندما يستطيعون الإشراف على جزء ضيق من الحكومة ، وهم غالبا سيحاولون توجيه وإدارة وزارات مثل الصحة والعدالة في حين أن أنهم سيتجنبون الحقائب الحساسة مثل الدفاع والشؤون الخارجية لاسيما أن المؤسسات العلمانية عموما ظلت مترددة في السابق أن تسلم تسيير الدفاع والشؤون الخارجية للإسلاميين.

فمثلا بالنسبة لنجم الدين أربكان القائد السابق لحزب الرفاه التركي الذي انتخب رئيس وزراء سنة1996 مشكلا بذلك أول إسلامي ينتخب رئيس حكومة في أي مكان من العالم أدان إسرائيل قبل مجيئه إلى السلطة بشكل روتيني ووعد بإعادة النظر في التعاون القائم مع الدولة اليهودية ، ولكن بعد وصوله إلى السلطة واجه مؤسستين علمانيتين قويتين (عسكرية وقضائية) فغير مساره. فخلال السنة التي قضاها في منصبه ترأس أربكان فترة تعميق للعلاقات مع إسرائيل ووقع اتفاقيات عسكرية سمحت للطيارين الإسرائيليين بتدريب القوات الجوية التركية ونظمت حكومته أيضا مناورات بحرية مشتركة مع إسرائيل في البحر الأبيض المتوسط. علاوة على ذلك فإن هذه التنظيمات الإسلامية حساسة بشكل كبير تجاه الرأي العام الدولي ، فهم يتذكرون الإحتجاج الذي تبع فوز الإسلاميين في انتخابات الجزائر 1991 والأراضي الفلسطينية 2006ويعرفون أن أمورا أخرى مهمة ستكون في خطر (وهذه الأمور هي مئات ملايين الدولار من المساعدات الغربية والقروض من المؤسسات المالية الدولية والتبادل التجاري والإستثمار). الإسلاميون يدركون أيضا أن دخولهم في تعقيدات السياسة الخارجية المثيرة للخلاف ستجعل المجتمع الدولي يسحب دعمه عن هذه الديموقراطيات الناشئة مما يعنيه ذلك من تقويض الأمل في عملية انتقالية ناجحة وهذا هو السبب في أنه مثلا في سنة 2003 ورغم أن حزب الشعب الجمهوري التركي الشديد العلمانية صوت بأغلبية ساحقة ضد دعم الحرب على العراق بقيادة الولايات المتحدة فإن غالبية حزب العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية صوت لصالحها. ونتيجة لذلك مارست إدارة بوش ضغوطات قوية لصالح تركيا وقدمت مليارات الدولار من المساعدات.

وحتى حماس التي لاتزال أكثر التيارات الإسلامية السائدة راديكالية خففت من حدة سياساتها تجاه إسرائيل بعد فوزها في انتخابات 2006 ، حيث صرحت بأنها ستقبل بحدود 1967 بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ولأسباب مشابهة وحتى قبل وصول تنظيماتهم إلى السلطة صرح بوضوح بعض المسؤولين من حركتي الإخوان المسلمين المصرية والأردنية باحترامهم لمعاهدات دولهم مع إسرائيل (رغم أن البعض الآخر هدد بمغادرة التنظيم في حال اعترافه بإسرائيل). وعلى الرغم من التحذيرات الأخيرة من دخول الإسلاميين في تحالف حكومي في مصر فإن النظرة الإعتدالية في التنظيم هي التي ستنتصر ، واتفاقية سلام كامب ديفد عام 1979 مع إسرائيل سيتم قبولها -وإن على مضض- كجزء من التعامل مع الواقع.

الاصطفاف بالخطأ

يمكن أن يتلاقى الإسلاميون والمصالح الأمريكية وإن حدث ذلك عن طريق المصادفة غالبا ، فحركة الإخوان المسلمين السورية والتي تم قمعها بشكل وحشي من طرف الرئيس حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي تقاسمت مع الولايات المتحدة لفترة طويلة الخوف من تزايد قوة محور إيران-سوريا-حزب الله (ومعارضتها للنظام السوري معروفة بشكل جيد وقد جعل هذا النظام مجرد العضوية في التنظيم جريمة تستحق القتل). انتقد الإخوان المسلمون بشكل متكرر إيران ، حالهم في ذلك حال الولايات المتحدة حيث رأوها نظاما طائفيا خطيرا يهدف إلى نشر التوجه الشيعي على امتداد العالم العربي ؛ حتى أن قادة حركة الإخوان السورية انتقدوا حزب الله وبشكل يتحدى الرأي العام لاستفزازه إسرائيل قبل هجومها على لبنان عام 2006. حركة الإخوان المسلمين اللبنانية والمعروفة بالجماعة الإسلامية عارضت هي الأخرى وبشكل مماثل دور سوريا وحزب الله في لبنان وانضمت إلى تحالف 14 آذار الموالي للولايات المتحدة. كما يمكن أن يلاحظ في أماكن أخرى أن التيارات الإسلامية وفي حين استحسانها للدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية فإنها أبقت بشكل متقن على مسافة بينها وبين نظام المشيخة الشيعي في إيران والذي تراه انحرافا عن النظام الإسلامي التقليدي للحكم. هذا لايعني أن الولايات المتحدة ليس لديها ما تحذره ، فالديموقراطية تعكس الرأي العام الشعبي وفي الشرق الأوسط يناهض هذا الرأي بشكل صارم السيطرة الإسرائيلية الأمريكية على المنطقة ، فعندما يستمر الصراع العربي الإسرائيلي أو يسوء أو تبدأ الحرب فإن الحكومات الشرق أوسطية -إسلامية كانت أو غير إسلامية- سوف تقع تحت الضغط الشعبي لأخذ موقف قوي يدعم الحقوق الفلسطينية ، وقد يكون من الصعب مقاومة هذا الضغط على الديموقراطيات الناشئة أوالعتيقة على حد السواء. وتعتبر حالة الأردن في بداية تسعينيات القرن الماضي مدعاة للتأمل ، ففي عام 1991 كان الإخوان المسلمون وبعد فوزهم في انتخابات 1989 قد حصلوا على خمس حقائب وزارية هي التعليم والصحة والعدل و الشؤون الدينية و التنمية الإجتماعية كجزء من حكومة تحالف لم تعمر طويلا ، وقد كانت تلك أول مرة -وإحدى المرات القليلة- التي تقلد فيها الإخوان المسلمون مناصب في سلطة تنفيذية في أي مكان من العالم. وفي نهاية التسعينيات وعندما بدأت الولايات المتحدة التحضير للتدخل العسكري ضد صدام حسين في رد على احتلاله للكويت أدان البرلمان الأردني العدوان الغربي وكثف الضغط على الملك حسين لمعارضة التدخل الأمريكي ، وقد قام بذلك رغم العواقب الدولية الواضحة. الحركة من جانبها وكمعارض قوي للنظام العلماني لصدام عبرت عند أول وهلة عن رفضها للعدوان العراقي و دعمها الكامل للكويت ، ولكن مع نزول الأردنيين إلى الشارع وتظاهرهم ضد الحرب غير الإخوان رأيهم راكبين موجة مناهضة الأمركة لكسب شعبية أكبر.

التجربة الإسلامية

ماذا يعني هذا إذاً بالنسبة لتونس ومصر وبقية الدول التي تعيش هيجانا شعبيا؟ اندفع ناشطو الإخوان المسلمين كغيرهم في ساحة التغيير بمصر بالتصفيق يوم 1 فبراير عندما طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بانتقال جاد وفوري إلى ديموقراطية حقيقية في مصر حتى أن عددا كبيرا من أعضاء الحركة قالوا بأنهم يتمنون لو أن إدارة أوباما ضغطت بالقوة لإبعاد حسني مبارك. ومن ناحية أخرى فإن صبحي صالح عضو الإخوان المسلمين الوحيد في المجلس الدستوري الجديد صرح لمجلة الوول ستريت (Wall Street Journal) بكون تنظيمه أقرب إلى المثال التركي ، معتبرا أن الإخوان سينشؤون اتجاها أكثر اعتدالا وابراغماتية. الإعلام الغربي من جانبه دأب على وصف الثورات التي تجتاح الشرق الأوسط بشيء من المثالية وإبداء ساحة التحرير كلوحة ترسم مابعد الإيديولوجية الطوباوية وإظهار لوحة أخرى قيد التشكل هي عبارة عن مصريين ليبراليين موالين لأمريكا. صحيح أن المصريين (والتونسيين والليبيين) سعوا إلى الديموقراطية منذ عقود وأظهروا خلال ثورتهم براعة في التظاهر والتعبير السلمي والإدارة الذاتية ، ولكن رغم كل التغيرات التي حدثت في الأشهر الماضية تبقى الولايات المتحدة واقعا يفرض نفسه على هذه المنطقة الخاضعة لتحولات جذرية ، فمع أن العرب على امتداد المنطقة قد اعترضوا على نفوذ الولايات المتحدة إلا أنه ظل يلعب دورا محوريا حسب رأيهم. وهذه الثورات التي تجتاح الشرق الأوسط هي في عمقها تطلع إلى الكرامة والتقرير الذاتي للمصير ، والكرامة بالنسبة للمتظاهرين تعني لعب دور مستقل أكثر فعالية في المنطقة. كما أن الإلتقاء الواضح للإسلاميين و الولايات المتحدة خلال هذه الثورات لا يعني أنهم سوف يتفقون -أو ينبغي أن يتفقوا- على كل قضايا السياسة الخارجية في المستقبل. وقد لاحظ المتظاهرون خلال هذه الثورات أن ضغوط الولايات المتحدة على الأنظمة الإستبدادية ستكون حاسمة لنجاح تحركاتهم.

وكالعديد من التنظيمات السياسية فإن الإسلاميين عادة ما يكونون أكثر حذرا عندما يوجدون في موقف ضعف ، ولكن هذه التنظيمات الإسلامية ومع تعزيز موقعها سوف تكون أقل صبرا على غطرسة الولايات المتحدة في التعاطي مع إسرائيل والعملية السلمية ، وقد بدأوا فعلا يتحدثون عن طموحاتهم في المنطقة ففي 17 فبراير قال المراقب العام للإخوان المسلمين في مصر محمد بديع إن الثورة "يجب أن تكون نقطة بداية لاستعادة مصر لمكانتها في العالم من خلال إدراكنا لأهمية أدوارنا تجاه هذه الأمة والوقوف وراءها في مطالبها الشرعية" ، في حين أن همام سعيد القائد المتشدد لحركة الإخوان المسلمين الأردنية قالها أكثر صراحة : "لابد لأمريكا أن تفكر بجدية في تغيير سياساتها في المنطقة فالشعوب لم تعد مستسلمة لإملاءاتها".

لا يزال الوقت مبكرا على الحكومات الجديدة في تونس ومصر لبناء سياسة خارجية قوية ولكنه على واشنطن أن تبدأ التفكير مسبقا في تخفيف الأخطار طويلة المدى ، فإدخال إصلاحات دستورية ومؤسساتية في المرحلة الإنتقالية لتحويل السلطة أمر بالغ الأهمية كما أن نظاما إنتخابيا نسبيا يفضي إلى حكومات إئتلافية سيكون أفضل من نظام الأغلبية لأنه سيجعل السياسة الخارجية عبارة عن عملية مفاوضات بين عدة أطراف مما يعني بالضرورة اعتدالا في النتائج.

لأغلب التيارات الإسلامية السائدة تقاطعات مهمة في المصالح مع الولايات المتحدة مثل تفكيك القاعدة و مكافحة الإرهاب و تحسين المستوى المعيشي والوضعية الإقتصادية على امتداد العالم العربي وترسيخ الحكم الديمقراطي ، وبإطلاق حوار جوهري تطبيعي مع التنظيمات الإسلامية حول مناطق الإتفاق ونقاش أساسيات السياسة الخارجية يمكن للولايات المتحدة أن تكتشف نقاط التقاء للمصالح أكثر مما تتصور. فمثلا يعد الحوار مع حزب العدالة والتنمية المغربي أحد حوارات الولايات المتحدة القليلة ضعيفة المستوى مع التنظيمات الإسلامية وقد كان ناجحا حيث قاد الحزب إلى التخفيف نسبيا من شدة انتقاداته للولايات المتحدة. هذه الثورات على أية حال جعلت السياسات الأمريكية -قصيرة النظر- أكثر وضوحا بتجنبها الدائم للإتصالات الرسمية مع الإخوان المسلمين و التنظيمات الإسلامية ، فالغرب يعرف عن أقوى تنظيم معارض في مصر أقل بكثير مما ينبغي له أو يمكن له أن يعرف.

الولايات المتحدة يمكن لها أن تأخذ احتياطاتها -وحق لها ذلك- ولكن هذا لا يعني تغيير حقيقة لايمكن تجاوزها ، فالرأي العام المناهض لإسرائيل سيظل أحد المظاهر السياسية في الشرق الأوسط إلى حين حصول اتفاق سلام عادل ونهائي ، وإذا كان ذلك سيحدث في المدى القريب فإنه سوف يتوقف على حركة حماس فإذا كانت حماس جزءا من حكومة وحدة وطنية على الأراضي الفلسطينية وناقشت تسوية الخلافات مع إسرائيل فإن ذلك سيحل بشكل فعال مشكلة إسرائيل لدى بقية التنظيمات الإسلامية ، لكنه وبعد الدور الذي لعبته الثورات في تشجيع موقف حماس فإنه من الصعب عليها أن تتعاطى بإيجابية في هذا المجال.

أجّل الإسلاميون لعدة عقود الجواب على السؤال الصعب : ماذا سيفعلون عند الوصول إلى السلطة؟ وذلك لسبب بسيط هو أن احتمال الوصول إليها بدا بعيد المنال ، ولكن موجة الديمقراطية التي تجتاح المنطقة وضعت الإسلاميين في المقدمة وما هو متوقع بعد الآن قد يكون أول تجربة إسلامية حقيقية في العالم العربي.

لحسن الحظ فإن لكل التيارات الإسلامية المناهضة لأمريكا مسحة ابراغماتية ، وهي إن لم تكن فعلت من قبل فإن عليها الأخذ مستقبلا بمعايير تلائم الحقائق الواقعية في المنطقة ، ومن جانبها فإن الولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي ستحتاج أخيرا هي الأخرى إلى الأخذ بمعايير تتلائم مع الإسلاميين.

(*) مقال منشور في مجلة الشؤون الخارجية (افورين أفيرز) الأمريكية في عدد مايو/يونيو 2011

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا