للغضب كلمة مع دستور المغرب /بقلم : محمدو ولد البار

كلمة الغضب هذه المرة اضطرت أن تحل محل كلمة الإصلاح التي كانت هي عنوان المقالات الموجهة للإصلاح .

إلا أن ما سمعناه نحن الموريتانيين أو نحن الشناقطة في الأسابيع الماضية من كلام منكر من القول على لسان ملك المملكة المغربية وهو يذيع المواد الدستورية لدستور المغرب الجديد الذي أعدته له اللجنة التي عينها لتقنين دستور ديمقراطي جديد فجاء ذلك الدستور بمادة تثير أشد الغضب بل تثير الغضب والتقزز والاشمئزاز والتعجب .

حيث أن اللجنة كتبت في دستورها الذي ارتضاه الملك وأذاعه بصوته بعد النشيد الوطني المغربي وقدمه للاستفتاء وجاء فيه أن اللغة الرسمية الأولى للمغرب هي العربية ، وأن اللغة الرسمية الثانية هي الأمازيرية وبعد هاتين اللغتين بدأ يسرد اللغات الذيلية التي ينطق بها في المغرب .

ومن المهين المشين أن هذا الدستور ذكر اللغة الحسانية بعد ذكره للغة العبرية. ومن المعلوم أن اللغات تعبر عن جنس الناطق بها ومعنى ذلك أن الدستور المغربي ذكر أن العرب المغاربة ناطقين بالعربية وهي اللغة الرسمية الأولى وأن البربر في المغرب ناطقين بالأمازيرية وهي اللغة الرسمية الثانية ، وأن اليهود ناطقين بالعبرية .

أما شعبنا نحن الشناقطة الموريتانيين الذين قضى الله بقدره أن يكونوا خاضعين للسلطة المغربية فلا ندري ما هي فكرة لجنة الدستور وملكها عن نوع جنسهم فهم ليسو عربا في نظر الدستور وليسو بربرا وقطعا ليسو يهودا فأي جنس ينتمون إليه إذن ؟

ونحن هنا نقول للجنة دستور المغرب وملكها : لقد صدقتم وبكل أسف وعلى أسوأ صورة ما قاله شاعرنا عندما زار بلدكم ومدح ملككم بقصيدة لم يمدحه آباء اللجنة بمثلها وجاء فيها قوله :

آه لمغترب بالغرب ليس له ** جنس وإن كان محفوفا بأجناس

فقد ظهر أن لا جنس للصحراويين في المغرب .

وهذه القصيدة هي التي مطلعها :

هل في بكى نازح الأوطان من باس** أم هل لداء رهين الشوق من آسى

ولم يقرضها الشاعر الشنقيطي الموريتاني الصحراوي نتيجة تخرجه من جامعة أدبية أو دراسة لغوية أكاديمية بل أقرضها سليقة بيئية في مكان وطن اللغة العربية الأولى على أرض العرب العاربة والمستعربة .

وهذا الشاعر عبر عن نفسه وجنسه عندما رأى نفسه فجأة مثل حصان المتنبي في أرض شعب بوان عندما قال : كأن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان .

وكما قال الشاعر الموريتاني :

واستجهلت دار نعم ما تكلمنا ** والدار إن كلمتنا ذات أخبار

إن تلك الفقرة السوداء في دستور المغرب تكفي وحدها للإشادة بأفكار ووطنية وبعد نظر المرحوم المختار بن داداه المؤسس لدولة البيظان العرب فوق بعض أرض دولة البيظان العرب الشناقطة ، وكان قبل الاستـقلال الجزئي لهذه الأرض العربية البيظانية قد حدد جغرافية أرض البيظان العرب الشناقطة في خطابه عند الاستقلال الداخلي بالساقية الحمراء شمالا إلى تضاريس أرض أزواد جنوبا ووعد آنذاك بالعزم على استكمال استقلال تلك الأرض بإلحاق أجزائها التي ما زالت مستعمرة ، كما تكفي تلك الفقرة السوداء في دستور المغرب لإدانة تنازل العسكريين عن شعب وادي الذهب الذي استرده المرحوم المختار بن داداه على قاعدة ما لم يدرك كله لا يترك جزؤه وتنازل عنه العسكريون لتضمه مملكة لا تعرف ما هو جنس أهله ولا تعرف نوع اللغة التي ينطقون بها .

فالهدر اديال المغاربة في الشمال تسمى لغة عربية رسمية ولغة البربر تسمى لغة رسمية ثانية وهي الأمازيرية ، أما جاليات اليهود والحسانيين كما يقول الدستور المغربي فهي لغات ينطق بها في الوطن ، وأخبرتنا تلك الفقرة السوداء تلقائيا بأن اليهود في المغرب أكثر من العرب الصحراويين لذكر لغة اليهود قبل لغة الصحراويين العرب .

وعلى جزئنا نحن العرب الشناقطة في المملكة المغربية أن يسأل وبحق إذا كان إسلامنا وعروبتنا ولغتنا الفصحى لم يشفع لنا عند اللجنة الدستورية إلا أن تأتي بلغتنا بعد الجنس اليهودي الغاصب لفلسطين والممول لذلك الغصب من خيرات شعب المغرب التي تحول للابن المغربي العاق نتنياهوا ليحصد بها العرب المسلمين في فلسطين حصد كواسر الطيور للأفراخ .

فعلى الشناقطة الصحراويين الموريتانيين أن يطلبوا من المغرب أن يحدد لهم الجنس الذي ينتمون إليه بين شعوب الأمم ،وبما أن ملك المغرب مالكي ومتمسك بالمذهب المالكي فعلى الصحراويين الشناقطة أن يستدعوه إلى القاضي المالكي ليطلقهم عليه ، فقد ظهر أن زواج شمال المغرب العربي مع الجنوب الصحراوي الشنقيطي المجهول جنسه عند لجنة الدستور ـ زواج فاسد ـ لجهل أحد أطرافه إذن لا وكيل للطرف المجهول فيجب فسخه .

وعلى القول بصحته فيجب التطليق بالشتم كما قال خليل : أن الطلاق يحصل بالشتم أو شتم أحد الأبوين ولا شتم أشد من تجاهل الجنس وذكر لغته في أذناب اليهود .

ونحن كنا نظن أن النخبة في المغرب على الأقل تعرف أصول اللغة العربية ومفرداتها وبنيتها ومصادرها حتى يتميز بذلك من ينطق بالعربية إخراجا وجرسا وتركيبا عن من يستخرج النطق العربي بغاما وبأجراس مختلطة ويتبعها بنشاز من الصوت كأن صاحبها يريد به منع سامعها من فهم المعنى المقصود بالنطق بها .

فاللجنة تسمى هذه الصورة المتكونة من لهجة أقل من 50% منها نطقا غير عربي ملحون عن أصله العربي يسمونها لغة عربية ويجعلونها هي اللغة الرسمية الأولى في البلد بينما اللغة الحسانية ذات الأصول العربية ونطقها 95% عربي يجعلها الدستور غير رسمية وذيلا للغة العبرية اليهودية وكان يكفي اللجنة عندما قالت أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الأولى وتعنى بها الدارجة المغربية يكفيها أن تترك ذكر الحسانية لتدخل في اللغة العربية الرسمية الأولى دخولا أوليا قبل الدارجة .

وهذا النوع من المعرفة يفسر لنا نحن الموريتانيين الشناقطة في الجنوب ما كنا ومازلنا نلقاه في التفاهم من الصعوبة عندما ندخل شمال المغرب ونخاطب المواطن المغربي في مدنه .

فأحدنا ولو كان أميا لمعرفته الجيدة والتلقائية للغة العربية عندما يدخل المغرب أو أي بلد آخر يدعى أنه يتكلم العربية يحيل النطق بلغته الحسانية ذات الأصول العربية 95%إلى اللغة الفصحى بسهولة راجيا أن يفهمه بسرعة مخاطبه(العربي ) وعندما يسمع المغربي الشمالي اللغة الفصحى ولم يفهم المعنى يرد عليه بسرعة بلهجته ( أشك أتقول أهدر بالعربية ) يعنى تكلم بالدارجة المغربية لنفهمك .

ومن هنا نعود إلى الفقرة السوداء في الدستور المغربي لنقول إن مضمونها ينافي التسوية التي أعلن عنها المغرب وهي إعطاء الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية العربية الموريتانية الشناقطة .

فالحكم الذاتي لا يستثني إلا الدفاع والعلاقات الخارجية بمعنى أن اللغة الثقافية هي من اختصاص الحكم الذاتي الإقليمي وطبعا فإن إقليمنا الصحراوي سوف لا يجعل لغته العربية الحسانية في دستوره الخاص ذيلا للعبرية في الاتحاد المغربي بل سوف تكون هي اللغة الرسمية الوحيدة في البلد وتكون اللغة الدارجة هي اللغة الثانية وسوف لا يكون فيه ذكر للغة العبرية لبعده منها بعد الفرقد من اللمس .

وبذلك سوف يضطر المغرب محو فقرته الدستورية التي ستصبح خاوية المعنى كما كانت خاوية المبنى .

ونود هنا أن أناشد إخوتنا الصحراويين وبني جلدتنا في جنوب المغرب أن يحافظوا على لغتهم الحسانية العربية نطقا وثقافة وحكايات وروايات وأمثال إلى غير ذلك من النشاطات الثقافية الوطنية التي تبين الأصل العربي الصحراوي الذي نعتز به جميعا ونترابط به وإياكم وتقليد الناطقين في البلد الذي تعيشون فيه بلغته الدارجة فإن ذلك سوف يبعدكم عن لغتكم العربية الفصحى وستمثـلون بذلك المثـل الحساني ( مشية عيش رخم ) .

وقبل أن أنهى هذه الكلمة الغاضبة فإني أود أن استفسر لجنة الدستور عن سبب وضعها لهذه اللغة في مكان البعد والإهانة هل هو لأجل تسميتها بالحسانية نسبة إلى أصل الأعراق التي جاءت بالعربية الفصحى من أصلها الأصلي إلى هذه الأماكن البعيدة وتعرب بذلك جميع ساكنة أرض شنقيط سواء من كان أصلا عربيا وأنسته لغة الساكنة الأصلية للأرض في لغته العربية أو كان أصله غير عربي ولكن عربته اللغة الحسانية وأصبح عربيا مستعربا كما عربت قبيلة جرهم الحميرية نبي الله إسماعيل حيث أصبحت ذريته عربا مستعربين وأبوه وأمه غير عربيين .

فالتسمية على الاسم لا تغير من موضوع المسمى فشارع محمد الخامس لا يغير اسم محمد الخامس من وضعية الشارع الذي تمشي عليه السيارات والمارة ، كما أن تسمية المسيحيين واليهود للإسلام بالشريعة المحمدية نسبة إلى اسم النبي صلى الله عليه وسلم لا تغير من الإسلام ولا من موضوعه شيئا .

وعلى كل حال فنحن الموريتانيين الشناقطة الصحراويين نقول لإخوتنا الموريتانيين الشناقطة الصحراويين سواء كانوا في المغرب أو الجزائر أو ما بينهما أننا جزء واحد وإسلامنا واحد ولغتنا واحدة وآلامنا وآمالنا واحدة ولو فرقت غصبا الحدود بيننا إلا أننا نقول ما قاله الإمام الشافعي عندما وجد نفسه كريمة وتحب أن تفعل الخير ولكن الزاد قليل يقول :

أري نفسي تتوق إلى أمور ** ويقصر دون مبلغهن مالي
فلا نفسي تطاوعني ببخل ** ولا مالي يبلغني آمالي

ونحن أيضا أنتم جزء منا ونحن جزء منكم ولكن القوة تستبيح المحرم وهو فصلكم عنا .

وقضيتنا نحن وأنتم تذكرنا بعبقرية ومشاعر الجنرال "دكول" عندما زار منطقة كبك في كندا وسمعهم يتكلمون لغته الوطنية سليقة وعلم أن هذا الجزء من ذلك الأصل قال : عاشت كبك .

ونحن نقول : عاش الشعب الصحراوي الشنقيطي الموريتاني وعاشت حسانيته العربية وكذبت فقرة الدستور المغربي في موقع اللغة الحسانية ، كما كذب فعل إدارتنا نحن هنا في نواكشوط لتفرنسها للغة الإدارة .

ونقول للجميع عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين .