في حديث فخامة الرئيس أمام الناس في مدينة انواذيب تحدث عن الكثيرمن الملفات وبنبرات تختلف من موضوع إلى موضوع، وإن كانت ظلت في عمومها مرتفعة ومتشنجة وغير مضبوطة،
الكثيرون لم يعجبهم الخطاب فردوا عليه بخطب وخطابات وتصريحات ومهرجانات ومن خلال اطلالات وعبر مقابلات، إلا أن هناك من تعرض لهم الرئيس في وقفة انواذيب فلم يردوا ـــ على الأقل لحدِّ الآن ـــ وهم الشعراء والأدباء حين قال ما معناه "أن البلد لا يحتاج إلى الشعراء والأدباء وأن مردودية الميكانيكي الواحد مثلا خير على البلد من مردودية مابين جبلين من الشعراء..."
وأنا هنا لست في وارد الرد علي فخامة الرئيس فما وسع مليون شاعر يسعني فلست بأحسنهم شعرا ولا بأكثرهم أدبا ولا أنا اقواهم حَنَكًا، وإن كان بعض المتطرفين من الشعراء ومن تبعهم من الغاوين يرون أن الرد من باب الواجب الكفائي... إلا أن مذهبنا أن الموضوع ليس أمره بأمر وقصاراه الجواز أو الندب،
وعلى كل حال فإن عجبي لا ينقضي من امرين اثنين،
ـــ أولهما سكوت الشعراء والأدباء على ما أصابهم... فهل الجمهم الخوف والطمع عن الذود عن حياض حروفهم المهدمة واجنحة اخيلتهم المكسرة؟ أم أن الكبرياء الشعري منعهم من النزول إلى درك التعاطي مع غيرهم من اصحاب الحِرف؟ أو أنهم لم يجدوا في الموضوع نقدا ملموسا يمكن أن يُردَّ عليه؟
ـــ وثاني الأمرين التصرف غير الودي من طرف الرئيس اتجاه الشعراء والأدباء "فأيَّ أمر اختطفوه من أمامه" وما سبب هذا الضيق بالشعراء...؟
فليس خطاب انواذيب أول موقف يعبر فيه الرئيس عن عدم حبه وتذوقه للشعر فمنذ اللحظات الأولى لمجيئه إلى القصر الرمادي وهو لا يفوت فرصة إلا ونال من الشعر نثرا،
وهل لما حظي به الرئيس السابق أبا أحمد من عناية الشعراء وما دبجوا فيه من بديع القول وكاذب الشعر علاقة بهذا التعامل الفظِّ الذي يقابلهم به اليوم أبو بدر؟
وهل يمكن أن يكون أحدهم نَالَ في دارس الأيام أو جديدها من فخامته فوجد في نفسه عليهم ما وجد؟
أم أن فخامته ـــ الذي لا يفهم في الشعر كثيرا وهذا ليس عيبا ـــ اعتمد على من اعطاه معلومات غير دقيقة عن الشعرووضعه الراهن في البلد فصور له الشعر مثلا على أنه تخصص وأن حَملةَ شهادة "شاعر" يزاحمون الناس في اقواتهم ويريدون التوظيف وسوق العمل يرفضهم لعدم انتاجيَّة تخصصاتهم وأنهم لا يعبِّدُون الطرق إلا في اخيلتهم؟
ولم يخبروه أن الشعرهو الشعر...
المهم أن فخامته ارتكب خطأً كبيرا في حق شريحة عريضة وحساسة من رعيته، ومن غريب الأمر أن وسائل الإعلام الرسمية التي نقلت الخطاب حيا على الهوا وأعادته بعد ذلك اكثر من عشرين مرة قبل أن تشرع في شرحه وتطريره وتحشَّيتِه والغوص في مكنونات مضامينه والتقويس على شاذِّ لغته وغريبها واعرابها وتمييزها لم تنتبه إلى الموضوع، فكانت تمر عليه في الشرح والتحليل مرورها على انشطة معارضي الحكم،
وقد كان بإمكانها أن تستضيف بعض العارفين بأساليب الرئيس في الحديث والتأليف والتعبير فتأخذ لنا مثلا شاعرا أو اثنين من شعراء البلاط يفهمونا ماكان يقصد الرئيس حين قال ما قال، مستعينين بما حفل به حديث انواذيب من "نسخٍ" و"اضطراب" و"تعارض"
فاالرئيس وفي اثناء حديثه وبعد أن شعر بعضُ مقربيه بعدم صحة ماقال عن الشعراء فكَّرَفأو حى إلى فخامته أنْ خفف مما قلت فاستدرك فخامته ِلينسخ بعضَ ماتقدم، وليته لم يفعل فقال ما معناه "الشعر مهم ونحن فخورون به ولكن يكفينا خمس شعراء فقط"
يا الله إنها مشكلة كبيرة جدا حين نتحول من بلاد المليون شاعر إلى بلاد الخمسة شعراء طبقا للتوجيهات السامية فكيف نوزع المقاعد الخمسة على الشعر بفصيحه وشعبيه وبولاريه وسنوكيه وألفيه والكتاب من روائيين وقُصَّاصٍ،
بالتأكيد نحتاج إلى معجزة وحوار وطني شامل يسمح بزيادة المقاعد ورفعها على الأقل حتى تمثل كل الحساسيات الشعرية والأدبية،
والخطير في الأمر كله ما سوف ينجر عن هذه النظرة غير المؤدَّبة إلى الشعر والشعراء،
فمن المعروف أن الإدارة جسد واحد الرئيس في أيامنا هذه رأسه وقلبه وناظراه ويداه وقدماه ووجود إرادة من الرئيس في هذ المعنى تجعل الدولة كلها ومن لفَّ لفَّها تتبرء من الشعر واهله، لذلك من غير المستبعد أن يطالعنا الرئيس في حديث "روص" أو "ألاك" القادمين بعبارات من قبيل "إن المفسدين والشعراء هم مشكلتنا ومشكلة تقدمنا وتنميتنا وحريتنا" "إن الشعراء والمفسدين يسرقون كل شيئ مني المفسدون يسرقون افكاري والشعراء يسطون على اشعاري" .