رحل عن عالمنا والدُنا ومؤدبنا الشيخ محمد عبد الله ولد اشبيه ولد ابوه.. لكنه باق في قلوبنا، ودروسه خالدة في أذهاننا.
قليل في حقه قولنا – وبلسان واحد – إنه كان عالما، فاضلا، ورعا، زاهدا، عابدا، أديبا وشاعرا بارعا، مثالاً للإباء، والعزّ، والشرف، والنبل.
نعم هي بعض من صفات المرحوم، لكن ما يشدني إليه دائما، ويزيد من حزني على رحيله، أنني أفقد في فقده اليوم محمد ولد الطلبه مرة أخري.. فكم هو مصاب كبير أن نستقبل التعازي من جديد في"ولد الطلبه أخره الله".
شُغِفَ ولد الشبيه بابن عمه "امحمد" حد تقمصه في كل ما هو مأثور عنه من المكارم، وأجزم أن ولع ولد الطلبه الراحل عنا اليوم بولد الطلب الأمس كان وراء مشقة جمع وتنقيح وشرح ديوان "امحمد"..الذي كانت لمسات ولد الشبيه وتمرسه في العروض وسرعة بديهته واستحضاره لمادة اللغة واضحة على طبعته المتداولة، حرصا منه على بعث مأثور "امحمد" على النحو اللائق، وفي أبهى حلله.
قد تخونني العبارات، والذاكرة أيضا في استعادة أشرطة جلسات جمعتني به، قبل أن يستقر به المقام في السنوات الأخيرة في "اينشيري" بحثا منه عن هواء كان يتنفسه "أمحمد" أو "لمجيدري"..
طريف ومخجل في آن أننا كنا نتجنب مجالسة ولد اشبيه أحيانا، خوفا من أن يكلفنا بإعراب ما لا قبل لنا به من شعر "أمحمد" أو خوفا من أن يتبادر له أننا لا نحفظ كل نصوص ديوانه، أو أن منا من لا يحفظ تاريخ "لمجيدري"..
كان ولد الشبيه، يغضب كثيرا عندما يعلم أن أحدنا لا يتقن النحو، أو أن أحدنا بخيل، أو أن أحدنا همَ أو قام بناقصة، لكنه في المقابل كان يتهلل حبورا حين يصل إلى علمه أن أحدنا قام بمحمدة، أو حفظ فصلا من "كفاف المبتدي" أو كتب "قف" من "الشيخ خليل" أو أصبح متمكنا من ناصية الشعر.
كُنا نتعمد أحيانا استدراجه إلى الشعر، وهو أمر سهل، فتبوح أساريره بالفرح والسرور...والحديث شجون..
كان رحمه الله بصدد جمع تراث لمجيدري..وأخذنا عنه أن لمجيدري أتى إلى مصر، فجمع له ملكها عشرة من العلماء لمناظرته، فقال له الملك : اليوم يوم التعارف، فكل واحد يعد لنفسه عشرة آباء، فعد كل عالم من علماء مصرعشرة آباء لنفسه، وعد لمجيدري عشرة آباء لنفسه، فلما كان من الغد اجتمعوا مع الملك من جديد، فكان لمجدري كلما سلم عليه واحد من العشرة قال : عليك السلام يا فلان ابن فلان ابن فلان ابن فلان... حتى يكمل سلسلته.. أي ما مجموعه مائة أب، كل واحد عدَ له عشرة...ويبتسم ولد اشبيه إعجابا بابن عمه.
آمل أن نحافظ على تراث ولد اشبيه، وأن نتمثل أخلاقه، بالدرجة ذاتها التي أحيا بها فينا تراث أسلافنا، وحافظ بها على أخلاقهم.
رحم الله "ولد الطلبه" الأخير، وجعل مثواه الجنة مع حميد بن ثور وولد الطلبة الأول.
البريد الاليكتروني :
abdoullahrim@gmail.com
هاتف : 0097433473480