تحت جنح الظلام أقدمت سلطات نواكشوط الأمنية على تسليم المجاهد عبد الله السنوسي لثلة من اللصوص وقطاع الطرق في ليبيا، جاؤوا إلى عاصمة المرابطين في الهزيع الأخير من الليل، يتسللون كالخفافيش، بحثا عن رجل شغل العالم قبل وبعد غزو بلاده..
رجل طوحت به الأقدار- خطأ- إلى حيث ظن أنه ناج من الملاحقة، فحلت ركابه بعاصمة المرابطين، حيث أناخ راحلته على بعد خطوات من وقع حوافر خيل ابن تاشفين، حين كان هناك من لا يظلم عنده أحد، من يحمي المستجير، ويذود عن الحياض، ويرعى حدود الشرع والقانون والعرف العربي..
المفاجأة في هذه السقطة المريعة لدولة موريتانيا أنها تناقضت جذريا مع مضمون آخر تصريح لولد عبد العزيز يوم قال في مدينة أطار إن السنوسي في عهدة القضاء الموريتاني، وإن"لدينا التزاما أخلاقيا اتجاهه"، واتضح مع عملية القرصنة التي تمت قبل انبلاج الفجر، أن الكلام النظري لاينبغي بالضرورة أن يعبر عن الواقع، فلم يمثل السنوسي أمام القضاء، ولم يُستشر محاميه في الموضوع أن حتى ينبئوه بما حصل..
نعرف حجم الضغوط التي تعرضت لها حكومة نواكشوط، لكننا لا نستسيغ أبدا تبرير هذه الإنحناءة المفاجئة التي تهدد بتقوس الظهر إلى الأبد..
عفا الله عن الحكومة الموريتانية، وهي ترتكب واحدا من أكبر الخطايا، وتسلم من استجار بها في خطوة لا تمت بصلة لموروث الأمة الذي يحض على الوفاء، وإغاثة الملهوف، وحماية المستجير، ولسنا في وارد التذكير هنا بمئات الحروب التي نشبت بسبب إجارة طريد احتمى بهذه القبيلة أو تلك..
ما كنا نتوقع أن نصل إلى زمن كهذا، تعيرنا فيه إمارة "طالبان" التي رفضت الانحناء للضغوط والتهديد الأمريكي باحتلال بلادها إن لم تسلم "بن لادن" وتعرفون بقية القصة..
ما كنا نتوقع أن تكون "النيجر" أصلب منا عودا، ولا أن نكون أقل درجة من الجزائر، أو المغرب، فما الذي حصل حتى تهاوت القلعة التي كنا نحسبها حصينة..؟
الشئ المؤكد أن النظام الموريتاني يتحمل وحده المسؤولية الدينية والأخلاقية عن مصير المجاهد عبد الله السنوسي، بعد أن ارتكب هذه الحماقة التي لم تكن تخطر على بال أي منا حتى ولو في عالم الأحلام..
وحق لـ "السموأل ابن عاديا" الذي دفع حياة ابنه ثمن وفائه بدروع مودعة لديه، أن يتقلب في قبره اليوم، حين تخبره الأرض بما جرى فوقها مع المجاهد عبد السنوسي.
سيدي محمد ولد ابه
sidimoha@yahoo.fr