لايخفى على احد واكب التطورات والتقلبات الحاصلة في ربوع الوطن العربي بأن هذه الثورات والهبة الشعبية قامت بفعل دوافع عدة اهمها التخلص من استبداد الجبابرة الحاكمين المستحكمين الذين مافتئوا يمارسون مع شعوبهم المسكينة ضحية العقود الضبابية اسلوب الشدة اذ هو ابلغ في السياسة واحزم في الرأي وانواع اخرى شتى وانماط مختلفة من السياسات المبنية على الاحتكار والظلم والاضطهاد وكل ما من شأنه ان يضيق الخناق على الفكر والابداع ,
هنا وفي ظل هذا الواقع المريب المعتم المكبل افاقت الشعوب العربية واستشعرت بعد سنوات عجاف طوال حقيقة واقعها واستبانت ايضا ان الخلاص والتغيير لن يأتي إلا من تلقائها وبتضحياتها هي فكان الخيار والمخرج الوحيد الماثل امامها لتحقيق ذلك وتجاوز هذه المحنة الأليمة هو النهوض والمناهضة حتى النصر وكسر شوكة وحاجز الخوف والصمت العربي ,فمن تونس اندلعت الشرارة الاولى للحراك الشعبي على سبيل التغيير ثورة الياسمين مهد الثورات العربية ,
لتنتقل بعد ذلك بظرف وجيز الى مصر وليبيا وسوريا واليمن واضعة الرحال في انتظار بلد آخر يصحوا شبابه وكهوله صحوة التحول والخلاص والانطلاق نحو المستقبل المشرق ,ولقد كان من المتوقع بل المفروض لدى الكثيرين بان تكون موريتانيا في رزنامة بل في مقدمة الدول المنتفضة ضد واقعها المأساوي المرير نظرا لبؤس وضعيتها الاقتصادية والسياسة والاجتماعية الراهنة والتي هي بمثابة الارضية الخصبة لزرع الانتفاضة الشعبية ,
فموريتانيا والحقيقة كذلك ليست بأحسن حال من شيقاتها الثائرات بل أن مايعكسه واقعها الوطني وواجهة عاصمتها بصفة خاصة لاغبار علية اذ هو ثمرة سنوات فساد وعبث وتخبط لازال امتدادها مستحكما في خيرات البلاد والعباد مما اضحى يهدد مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري حتى,
ولا يقتصر الوضع على هذا بل يتجاوزه الى مختلف مناحي الحياة , وهذه الحالة المعيشية الضنكة المتردية خولت البلاد لأن تكون على رأس المطالبين بتغيير النظام وبتحسين الأوضاع المزرية للمواطن والوطن ,
وتحسين هذه الاوضاع لايكون إلا بوجود ارادة صادقة وطنية خالصة بإستطاعة اصحابها حل جملة المشاكل الاقتصادية والسياسية للبلد المشاكل المتمثلة اساسا في الارتفاع الشديد المفرط للأسعار في مقابل التدني الرهيب لرواتب والبطالة المتفاقمة في صفوف الشباب والقضاء كليا على ظاهرة النهب المتواصل للأموال العامة بحجة مشاريع الانقاذ وهي في حقيقتها صفقات بالتراضي على حساب البلد وكذا الحد من الصلاحيات المفرطة الخارقة للرئيس وانشاء دولة مدنية وتكريس مفهومها الحقيقي في اذهان العسكر,
وكذا تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية تعبر عن مصالح كافة المواطنين, وتسليط الاهتمام والرعاية اكثر بقطاعات التعليم والصحة والنقل القطاعات الثلاث التي تشكل الجانب الاكبر من الخدمات الاجتماعية للمواطن هنا بات لزاما علينا اليوم بوصفنا مواطنين احرار ان نسعى من اجل الاصلاح الفعلي والحقيقي حتى نسهم بصورة حقيقية في خدمة هذا الوطن وانتشاله من الحضيض ,
ولتنعكس ثمرة ذلك بالإيجابية المتوخاة على المواطن الاكثر هشاشة ومعاناة ,وفي الاخير فإني ارى ان المشكلة الاساسية للمجتمع او الشعب الموريتاني تكمن في انه وللأسف لم يعي حتى الآن احقيته بالمطالبة بل العكس فقد ظل منذ عقود ولازال هو من ينتظر الاصلاحات من الدولة ولايسعى ويضحي من اجلها وهذا في حد ذاته مثل ويمثل اكبر معوق للإصلاح والآن قد آن لشعب ان ينتصر.
بقلم الشيخ ولد التراد كاتب صحفي