أبان مهرجان المنسقية المنعقد مساء الخميس الفاتح من نوفمبر 2012عن ما لم يكن ليخطر على بال أي منا حتى ولو في عالم الأحلام..
كان اختيار المكان ينم عن إحساس بالعجز عن حشد نصف من حضروا لآخر مهرجان للمعارضة منتصف يوليو الماضي، حيث وقع اختيار الجنة المنظمة على شريط ضيق يقع بين ثكنة للحرس الوطني، والإدارة العامة للأمن، وتحاصره دار الشباب من الغرب وملعب العاصمة من الشرق، وبدت ساحة المهرجان أصغر من حجم ملعب لكرة السلة..
تلك كانت أولى المفاجآت، فالمارد الذي صال وجال في شارع عبد الناصر ووقف واستوقف عند ساحة ابن عباس، وتظاهر واستظهر ما لديه من قوة "جماهيرية" تحول اليوم إلى فأر صغير، تتضاءل أمامه مساحة حرية الحركة، وتعظم في عينيه صغار الأمور..
ثاني المفاجآت كانت الخطاب السياسي الذي نزل من "عليائه" إلى ما تحت الـ"صفر"، فقد فوجئ الحاضرون- على قلتهم- برئيس المنسقية الدوري وهو يتوسل الحوار، وحكومة الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي، والانتقال السلس.. إلى غير ذلك مما هو مندرس ومفلس في سوق النخاسة السياسية والمتاجرين بها..
فجأة خفتت أصوات كانت جهورية، وانطفأت شموع كانت نبراسا يضيئ دروب الأمل لدعاة الرحيل، واختفت الخطب العنترية، من منصة المنسقية وربما إلى الأبد..
لم يأت أي من قادة المنسقية على ذكر الرحيل، وخلت اليافطات من أي معنى في هذا الاتجاه.. كان الخطاب توسليا استسلاميا انهزاميا إلى أقصى حد..
لقد اكتشف دعاة الرحيل بعد شهور طويلة من اللف والدوران في شوارع نواكشوط أنهم راهنوا طويلا على الأحصنة الخاسرة، لأن ما يفرق شملهم أكثر مما يجمعه، ولأن الرسالة التي حملوها ذات يوم لم يقتعنوا بنبل أهدافها وقدسية مقاصدها، فما رعوها حق رعايتها وكانوا فيها من الزاهدين..
اليوم تأكد سكان نواكشوط ومن ورائهم كل الموريتانيين أن قادة المعارضة رموا عصا الترحال، وايقنوا أنه لابد مما ليس منه بد، وأعلنوا في نصف المهرجان الذي عقدوه تخليهم مكرهين عن شعار الرحيل، بعد أن يئسوا من الحفر بالأظافر في الصخور الصماء..
ولأن طريق الرحيل كان طويلا وشاقا ومليئا بالتضحيات، فقد وقف حمار الظاعنين في العقبة حتى قبل أن يبدأ المشوار..
سيدي محمد ولد ابه sidimoha@yahoo.fr