نظمت مؤخرا ندوة ثقافية بالمتحف الوطني ناقش على هامشها عدد من الشباب مفهوم "الفتوة" الذي ظل وإلى عهد قريب تاج شرف لا يستحقه إلا النخبة في ذلك الوقت.
وقد أصبح هذا المفهوم محل نظر بسبب التأثيرات التي ألحقتها "العولمة" بمعايير التقييم لدى المجتمع الموريتاني المعاصر.
وهكذا خلص النقاش إلى رأيين أحدهما يمجد "الفتوة" في لبوسها القديم والآخر لا يلغيها تماما وإنما يطالب بتغيير العقليات لدى الشباب الموريتاني بما يخدم ضرورات الواقع.
فهل "الفتوة" بفهومها القديم كافية لتحديد قيمة الفرد في موريتانيا المعاصرة؟ أم أنها أصبحت على الهامش بفعل ما تفرضه العولمة من مسايرة لواقعها بآلياته وتفاعلاته المختلفة؟
إن قراءة متأنية للواقع الموريتاني اليوم بموضوعية وتجرد كفيلة بتحديد ان "الفتوة" بمفهومها القديم لا تناسب واقع اليوم تماما،فهنالك تغيرات هامة حصلت في المجتمع بعد انتقاله النسبي من البداوة إلى المدينة.
وقد نتج عن هذه التغيرات تحول المجتمع من النظام التربوي التقليدي (المحظرة) إلى المدارس العصرية التي عرفت تطورا في البلد،مما ترتب عنه تطور في وسائل الانتاج.
كما أن قيام الدولة فرض وجود مؤسسات وإدارات ومصانع يتطلب تسييرها كفاءات بشرية يفترض أن تكون مخرجات المدارس والجامعات الحديثة بالبلد.
إن موريتانيا في العالم المعاصر لاتعول على "الفتى" بالمفهوم التقليدي في تنمية البلد وتطويره،لأن التنمية والتطوير- في العالم اليوم- مرهونان بتخريج كفاءات لا تمتلك المحظرة القديمة سبيلا لتخريجها.
ثم انه من الضروري اليوم العمل على محو الأمية بأشكالها المختلفة،ذلك ان كثيرا من شبابنا يعاني انواعا من الأمية لا تعترف "المحظرة" بوجودها أصلا من أهمها(الحضارية،التقنية، المدنية،الادارية، الحقوقية، الوظيفية).
ولعله من الطريف أن نتوقع دورا فعالا من شباب يعاني من جهل بالتاريخ والجغرافيا والتفاعل بين الحضارات ولا يتمتع بالسلوك ويجهل التعامل مع التقنيات الحديثة واللغات الأجنبية ولا يعي قيمة الوطن والإدارة ولا يعرف ما عليه من واجبات وماله من حقوق في وطنه.
وخلاصة القول إن الشباب ينبغي أن يلم بالواقع بجميع جوانبه،وأن يسعى في تحقيق ما يفرضه عليه هذا الواقع الممزوج بتأثيرات العولمة دون الميوعة والرضوخ للإستلاب الفكري"التغريب".
ونؤكد أخيرا أن الإلمام بآليات وتفاعلات العولمة لايغني عن نكهة "الفتوة" القديمة بما تحمله من قيم أصيلة في هذا الزمن المتقلب وفي بلد محافظ كموريتانيا.