ضاقت دائرة الأمل في المهنة حيث لم أستطع الحصول على عمل فيها ولكن لابد من إيجاد فرصة عمل تمكن من دخول المجتمع الذي بدأت تطغى القيم المادية عليه بدل القيم المعنوية من جهة وتساعد على سد بعض الخلة من جهة أخرى.
فكرت.. ماهو أقرب مجال للصحافة فوجدته التعليم، فقالت لي أختى الكبرى انتظرني أياما سأبحث لك عن وظيفة في مدرسة أخ لزميلة لي،حتى يقضي الله امرا كا مفعولا.استبشرت خيرا وظننت أن هذه الفرصة قد توفر علي مالا وتساعدني على الاندماج في حياة مجتمعنا الذي تصعب المعاملة فيه وخاصة في مايتعلق بالبحث عن عمل دون أن تكون المعايير الضيقة هي الوسيط.
بعد أيام أعطتني عنوان المدرسة ورقم مديرها الأستاذ والشاعر الكبير ببها ولد بديوه وعندما وصلت المدرسة سألت عن مكتب المدير فدلني بعض التلاميذ عليه رحب بي وأوضح لي طبيعة المهمة وأوقات الدوام والمصادر المالية.
كانت خلاصة اللقاء الذي جرى في الأسبوع الثاني من شهر اكتوبر2001 هي أن المدرسة حديثة النشأة وهي ابتدائية وفيها أربعة أقسام وأن علي أن أدرس القسم الرابع وأوقات الدوام هي الساعة8صباحا الى 12 زوالا والأجرة حسب الساعة 300أوقية والنقل من المرتب الموعود والتأخر والغياب غيرمسموح بهما(المدرسة قرب كرفور مدريد وأنا أقطن في عرفات قرب محطة الكهرباء الجديدة) إلا في حالات نادرة واستثنائية.
انتهت المقابلة واستأذنت للغد.
في صباح اليوم الموالي عدت لأبدأ العمل..كان ضبط الفصل صعب بسبب كثافة التلاميذ والتدريس صعب نظرا لضعف المستويات وانعدام الانضباط وضرورة التقيد بمقاربة الكفايات الموجودة في الكتاب المدرسي التي جغلت الدروس مبعثرة وفككت محتوى البرنامج عما عهدته أبام زمان !!
استمرت هذه التجربة أسبوعا وكانت جد متعبة حيث أيضا كان التنقل في "حافلات الأمتعة" التي هي وسيلة النقل العمومية الوحيدة الرخيصة ذهابا وإيابا نوعا من العذاب الأليم أتجرعه مع انبلاج كل صباح ومع توسط الشمس كبد السماء زوالا بعد نوبات من الانتظار الممل على قارعة طريق جرداء من كل ماله علاقة بالذوق والجمال ومظاهر التحضر في عاصمة بلادي الحبيبة.
حاولت إقناع نفسي بالصبر لعل أن تتحسن أحوال المدرسة لكنني لم أستطع تحمل مشقات ما يترتب على ذلك من مقارعة أهوال المكابدة وسوء ظروف مهنة التعليم وضعف المستويات والراتب المزري المنتظر(كانت قيمة مهنة التعليم متدنية وقتها في المجتمع ومردوده المادي زهيد وقد هجره الكثيرون لصالح قطاعات أخرى).
ودعت مدير المدرسة وشكرته على قبوله لي ومابذل معي من جهد وأسداه لي من نصائح.
عدت للمنزل زوال يوم من أكتوبرمهيض الجناح تحاصرني أسئلة مجتمع لا جواب لها وكلها جديدة ..من قبيل لماذا لاتصبر على التعليم؟ لماذا لاتبحث عن مسابقة فيه؟ لماذا لم تجد فرصة عمل في الصحافة؟ لماذا تتقيد بمثاليات في الحياة لاتطعم خبزا ولاتسقي لبنا من قبيل شرف المهنة والابتعاد عن كل ما تجني منه الفلوس بسرعة مثل فلان وعلان؟
كنت أتصامم عن كل تلك الأسئلة مع عموم الناس وأحاول أن أقنع بعض المثقفين من الاخوان والاصدقاء بمبررات أنحتها من صخروطبعا لايصدقها الواقع.
في بداية شهر نوفمبر..
يتواصل...
بقلم : محمد ولد محمد الامين(نافع)
ملاحظة :
لفهم هذه اليوميات في جزئها الثاني من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 67حلقة" ولمن يرغب فيها أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني أسفله.
الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com
.
.