في الحلقات المقبلة نتعرف على لقطات من يومياتي في الصحافة المكتوبة بموريتانيا في فترة توصف ب"الحالكة" في تاريخها سواء من حيث الحرية أو غياب التمويل أو فوضى الانتماء وضعف الأداء.
في هذه الحلقة سأصبحكم في جولة مع صعوبات وطرائف ومواقف (غرائب) حدثت لي وأنا أكتب المواضيع الأولى حيث كانت الوطنية متقدة والغيرة على الوطن وحب رفعه إلى مصاف الدول الراقية مازالت جذوتها متقدة في بسبب قرب عهدي بالغربة والبعد عن الواقع المحلي وتعقيداته ونظرة أهله الضيقة للأمور.(بدء من مارس2002).
كان أول عمل تم تكليفي به هو انجاز بعض التحقيقات بدأت بأولها وكانت العدة غائبة حيث لا أجرة لسيارة الأجرة لمكانه ولا تجهيزات من مصورات وآلات تسجيل وغيرها بل كل ما يتوفر هو قلم وأوراق ومسير في منعرجات المدينة وطرقها الوسخة للوصول لمكان التحقيق.
من خلال المهام الصحفية التي قمت بها وشكلت نماذج للاحتكاك بالجمهور تولدت لدي الملاحظات التالية :
الصحافة في واد واهتمامات الجمهور العريض في واد (تركز فقط على السياسة والحوادث)
الجمهور يخاف من الصحافة ويمقتها
الجمهور لا يحب التعاطي مع الصحافة ويراها مرادفة لمهنة "التسول ..."
الجمهور خائف من المصورة ومن الحديث للصحافة
الجمهور يتعاطى مع الصحافة بسخرية
الجمهور لا يهمه شكل الجريدة
الجمهور يحكم على المهنة من خلال مظهر الصحفي
الجمهور يتعاطى مع الصحافة حسب"الجهة والقبيلة والاتجاه السياسي أو الايديولوجي"
العامل المتحكم في عدد القراء والسحب للجريدة هو العلاقات الضيقة والمصلحة وليس مضمون أو شكل وخط تحرير الجريدة المستقل والموضوعي ومراعاتها لاهتمامات القراء.
أذكر أنني في مرات كثيرة أكون محرجا من ذكر أنني صحفي عند تقديم نفسي بسبب تلوث المهنة لدى الجمهور العريض،ومع ان العرف والقانون يحتم علي ذلك فإنني غالبا لا أستظهر ببطاقة الجريدة التي بحوزتي نظرا لأن البطاقة الصحفية "المجازية" بحوزة كل من هب ودب وقتها "المزارع،الحمال،صاحب التاكسي،الجزار"مع الاحترام طبعا لكل أصحاب تلك المهن.
من المواقف الطريفة أيضا أن الجريدة تعرف باسم مالكها وليس بخطها التحريري او المواضيع التي تكتب عنها أو طاقم الكتاب فيها عكس ما يحدث في العالم.
طبعا مثلت مهمة الإخراج الصحفي بالنسبة لي وهي الواجب الثاني في العمل تحديا كبير إذ كيف لي أن أخرج جريدة حسب معايير الإخراج العالمي وطاقمي لا يراعي قواعد الكتابة الصحفية التي تساعد على الإخراج؟وكيف لي أن اعمل على إخراج جريدة لا وقت ثابت لإصدارها؟ثم كيف لي أن أوفق في هذه المهمة وكل من كتب مقالا لا يريد مني أن أصححه بما يتلاءم مع شكل الإخراج المناسب للمادة؟ ثم كيف لي أن اخرج جريدة وبدون التقنيات اللازمة والفني المتمرس؟ وكيف كيف يتم إخراج جريدة في مطبعة لا تستخدم إلا لونا واحدا"الأسود"؟ وأخيرا كيف لي أن أكون مقنعا بضرورة الإخراج والقراء لا يهتمون به والإعلانات التي تجذب المال للجريدة غير موجودة وما هو موجود منها لا يطلب أهله مراعاة إخراجه حسب القيم العالمية؟
مواقف طريفة كثيرة كنت أعرض لها في العمل يوميا منها أن مصادر الأخبار غالبا ليست رسمية بل هي في الشارع ولدى مجالس النساء أو الطفيليين في مجالس المسؤولين.
طريف أيضا أننا كنا تعرف بالأنباء الرسمية قبل نشرها من طرف الجهات المعنية "تعيينات،إقالات",, الخ
من الغريب أيضا أننا في دولة تدعي حرية الصحافة ولا يمكن أن تحصل على رأي رسمي في أي موضوع إخباري او في موضوع تحقيق او غيره.
غريب أيضا أن بعض المصادر تبيع الأخبار الهامة أو تحابي بها صحفيين معينين لاعتبارات ضيقة.
كنت أحاول أن أجد موطئ قدم في...
بقلم : محمد ولد محمد الامين(نافع)
ملاحظة : لفهم هذه اليوميات في جزئها الثاني من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 67حلقة" ولمن يرغب فيها أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني.
الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).)
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com