كان يوم المسابقة 18يوليو 2011يوم سبت (عطلة رسمية) ولكنه كان شديد الحرارة وكان مركز الامتحان لا يوجد به مشرب ولا مكان للراحة في انتظار الحصة الموالية،حيث حظر الجلوس في ردهات الأقسام او التجول في الساحة على المترشحين.
ومن حيث الطقس كان يوما صيفيا قائظا طويلا وكان الجميع حريصا على اصطحاب قنينات الماء والمناديل لمكافحة العش والعرق.
دخل الجميع إلى قاعاتهم وبدأت رحلة المراقبين مع ضبط القاعة(التأكد من هويات المترشحين وحضورهم وجلوسهم حسب أرقامهم على المقاعد وضبط المترشحين الغائبين).وكان البعض ما يزال في رحلة البحث عن قاعته ومقعده في اللوائح المعلقة على الجدارن الداخلية والخارجية.
كنت في القاعة رقم 8 ورقمي هو 292(شعبة الكتاب الصحفيون)،ولم أتعرف على أي من المترشحين معي فيها حيث لم تربطني معي أي منهم علاقة سابقة .
تأخر اللجنة المنظمة في طرح الأسئلة علينا لاعتبارات لا نعرف سببها حيث لم نبدأ إلا في حدود التاسعة رغم أن الاستدعاء ينص على الحضور 7:30 دقيقة ولن يقبل أي تأخر بعد 8:00 صباحا.
كانت فترة التأخير كافية لتعرف المترشحين ببعضهم والاستماع لسيل من الشائعات حول طبيعة المواد والأسئلة المحتملة في كل مادة ،مع وصول أنباء تفيد ببعض أسئلة الشعب الأخرى التي بدأت الامتحان في الوقت (8:00) حسب ما سمعنا.
في التاسعة صباحا يوم 18 يوليو2011 ساد القاعة هدوء يصحبه وجوم استعدادا لطرح الموضوع الأول (المادة الأساسية) في مسابقتنا والذي لم يكن مطبوعا بل كتب بخط اليد على السبورة أمامنا وكان عبارة عن مقولة لعالم الاتصال الشهير (مارشال ماكلوهان) تقول : (في العصور الماضية كانت الشعوب تصنع تاريخها بنفسها وفي العصر الحديث أصبحت وسائل الاعلام هي التي تصنع تاريخ الشعوب..حلل وناقش).
قضينا 3 ساعات مع هذه المادة نسبح في بحزر الاتصال وعلاقة وسائل الجمهور بصناعة الحدث وعلاقة الجمهور بوسائل الإعلام وكان مراقبا القاعة ينبهاننا على الوقت كل نصف ساعة او عشرين دقيقة،ورغم ان البعض من المترشحين معي فاجأه السؤال وقال إنه لم يسمع بصاحبه مطلقا شأن الكثيرين من المترشحين في القاعات الأخرى (قاعتي فيها 20 مترشحا وتغيب6 )فإن من درسوا علوم الاتصال مسبقا كانت هذه مجرد دروس عابرة يتذرونها في يوم عادي.
كان عدد القاعات 9 وقد عم الهدوء وانهمك الجميع في معركة القلم والفكر حيث أنها العملة الوحيدة والسلاح الأمضى للحصول على أحد المقاعد ال30 المطلوبة في شعبتنا. تصبب العرق كثيرا وجالت الأفكار في الرؤوس ونثر كل مترشح كنانته في مجال الاتصال(علاقة وسائل الإعلام بصناعة الحدث وعلاقة الحدث بالجمهور) (ان كان من الملين به)أو في مجال التحليل الذي يراه منطقيا لدور وسائل الإعلام اليوم من غير الملمين بالاتصال.
في حدو12:00 منتصف النهار انتهت المادة الأولى وتنفس الجميع الصعداء(كانت أصعب مادة وضاربها3)،لنأخذ ساعة كاملة من الراحة قبل المادة الموالية،وفسح المجال للجدل حول الجواب الصحيح حيث لا تكاد ترى مجموعة مترشحين إلا وهي تراهن على أن ما كتبته هو الجواب الصحيح.
كثر الجدل ولم يجد الجميع مرجعية للإجابة الصحيحة ليحسم الخلاف بينهم ،في حين فضل البعض الانزواء في حديقة بالمدرسة أو الهروب من مركز الامتحان لحوانيت مجاورة واحتساء كوب شاي أو البحث عن "صندويتش" للتصدي لنوبة جوع.
كنت من الفريق الذي خاض جدلا لبعض الوقت ثم انزوىت مع زميلي محمد سيدنا عمر(الذي أشكره على تشجيعي بقوله ستنجح ان كانت المسابقة شفافة فأنت تستحق)وقد تعرفت عليه سنة2005 عن طريق أخيه ينج ولد سيدنا عمر حيث كنا ندرس بتونس في نهاية تسعينات القرن الماضي (أنا الإعلام وينج الاقتصاد).
في حدود 13:00 دخلنا لإجراء مسابقة المادة الثاني في المسابقة المعنونة بالثقافة العامة حيث طرح علينا سؤال في الجغرافيا الاقتصادية يقول :"الأمن الغذائي في موريتانيا كيف يمكن تحقيقه؟"
كانت مدة المادة ساعتان وتعامل معها كل منا حسب معرفته بالموضوع باستثناء المترشحين من شعبة الجغرافيا الذين بالتأكيد سيكون الموضوع عاديا بالنسبة لهم وهم على بينة من زواياه المختلفة،وطبعا لم يتوقع أي منا ان تكون مادة الثقافة العامة في الجغرافيا الاقتصادية .
وقد كنا قمنا بتحضير بعض المعلومات عن الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية بموريتانيا حيث سمعنا أن المادة الثانية قد تكون أسئلتها متعلقة بهذه الجوانب ،ولكن يبدو أننا لم نوفق..عالج كل منا الموضوع بحسب رأيه واختلفنا هل الأمن الغذائي يشمل الزراعة فقط ام يشمل معها الصيد في موريتانيا.
في الساعة الثالثة انتهى وقت هذه المادة وخرج آخر المترشحين من القاعات.
بدأنا في الوضوء وصلاة الظهر في تلك الهاجرة الصيفية الصعبة وأخذنا قسطا من الراحة حتى الساعة الرابعة حيث دخلنا للمادة الأخيرة وهي اللغة الثانية والتي يبدو إنها أتعبت الكثيرين رغم أنها لم تكن عائقا أمام النجاح.
وضع أمامنا نص فرنسي للكاتب الكبير المرحوم حبيب ولد محفوظ عن أيامه ف المدرسة الابتدائية حيث كانت الظروف متواضعة والدراسة تتم في أعرشة وعلى مقاعد خشبية ،والحياة الاجتماعية بسيطة في "الفركان" والجميع يعرف بعضهم بعضا وطرق العيش بدائية,طرحت علينا أئلة في فهم النص وأسئلة في النحو والصرف وأخيرا طلب منا إنشاء في 20 سطرا حول أيام وذكريات الطفولة،وكانت اللغة الثانية من أصعب المواد في المسابقة(كانت لغة النص جزلة والأسئلة ليست في غاية الوضوح).
انتهت المسابقة بعد صلاة العصر لينصرف الجميع باحثين عن قسط من الراحة بعد يوم طويل وشاق ..لتبدأ حكاية أخرى.
يتواصل
بقلم :محمد ولد محمد الأمين (نافع)
ملاحظة : لفهم هذه اليوميات في جزئها الثالث من المفيد جدا مطالعة الجزء الأول منها تحت عنوان :" يوميات طالب الغربة في 66حلقة والثاني تحت عنوان :"سنوات الضياع في 55 حلقة".
ولمن يرغب فيهما أن يبعث للكاتب على العنوان البريدي الالكتروني. الكاتب نشرت له جامعة جورج تاون الأمريكية في بعض كتبها التي تدرس بجامعات العالم (حلقات من الجزء الاول يوميات طالب الغربة).
للتعليق والملاحظات :
ouldnafaa.mohamed@gmail.com