مع اقتراب رأس السنة بدأت الأسواق التجارية في موريتانيا تستعيد نشاطها، وتستعد لاستقبال الزبائن الذين يرغبون في شراء هدايا وملابس للاحتفال بالمناسبة، وانتعشت حركة البيع والشراء وبدأت الأسواق والمحلات التجارية في شراء بضائع متنوعة وعرضها بشكل يثير الإعجاب ويجذب الزبائن، ويعتمد التجار والباعة في جلب بضائع جديدة ونقل القديمة على الحمالين الذين ينقلون البضائع بأيديهم أو بواسطة عربة يدوية أو دابة.
وتزداد الحاجة إلى الحمالين في الأسواق الشعبية التي توجد بها طرق ضيقة ومسالك وعرة وتتميز باكتظاظها الدائم، حيث يصعب الاستغناء عنهم في هذه الأسواق التي شيدت ونمت في غفلة من السلطات، لكنها اصبحت اليوم أسواقاً شرعية ترتادها أعداد كبيرة من الزبائن يومياً، ويستحيل على التجار في هذه الأسواق إيصال بضائعهم إلى محلاتهم دون الاستعانة بهؤلاء الحمالين، حيث تقف خريطة السوق ووعورة طرقه ومسالكه واكتظاظ الأسواق بالبضائع والمتسوقين حاجزاً أمام نقل البضائع بالسيارات وعربات النقل.
أوضاع صعبة
ورغم الحاجة الملحة إليهم سواء في نقل البضائع الجديدة إلى المتجر أو نقل القديمة إلى المورد أو في مساعدة المتسوقين على حمل ما يشترون إلى السيارة، فإن الحمالين يعيشون أوضاعاً صعبة ويعانون من ضعف إيرادهم اليومي مقارنة بمعاناتهم في نقل أوزان ثقيلة وما يتسبب به هذا العمل من أمراض وما يشكله من مخاطر.
ويقول محمود ولد خطره الذي يعمل في حمل البضائع في سوق العاصمة إن الحمالين عصب الحياة داخل السوق، فعليهم تقع مسؤولية نقل البضائع وبث حركة نشيطة في السوق، ويعتمد عليهم الجميع من موردين وتجار ومشترين، ورغم ذلك فإنهم يعيشون واقعاً سيئاً بسبب قلة العائد المادي وانعدام الدعم والضمان الاجتماعي والتغطية الصحية.
ويقول إن العاملين في مجال حمل البضائع يطالبون برفع سعر حمل الطن وسن قوانين تضمن لهم الحد الأدنى من الحقوق الاجتماعية، وحمايتهم من بطش بعض التجار ورجال الأعمال والسلطات البلدية. ويضيف "يستغل بعض التجار وموظفو البلدية سلطتهم ونفوذهم من أجل التضييق علينا وحملنا على القبول بأسعار متدنية، وفي بعض الأحيان يمنعوننا من العمل ويقمعون تحركاتنا لتحقيق مطالبنا المشروعة".
اضرابات من اجل تحسين الظروف...
ويقوم الحمالون في موريتانيا من حين إلى آخر بإضرابات لتحقيق مطالبهم، مما يتسبب في ضياع الكثير من مصالح التجار وتسجيل خسائر كبيرة في بعض الأسواق. ويرى إبراهيم ولد الشيبة أحد الحمالين أن هذه الإضرابات لن تجدي نفعاً، بل إنها تترك نتائج سلبية كالمواجهات مع السلطة وتوتر العلاقة بين الحمالين والتجار. ويعتبر أن تأسيس نقابة خاصة بالحمالين أو تشجيعهم على الانضمام لإحدى المنظمات التي تدافع عن حقوق العمال كفيلان بحل أزمة الحمالين والمشاكل التي يعانون منها.
ويشير إلى أن رفض رجال الأعمال زيادة سعر حمل البضائع يؤثر سلباً على مستوى معيشة الحمالين الذين يعيلون أسراً تتكون من عدة أطفال. ويضيف "الأسعار في ارتفاع جنوني بشكل يومي بينما التعويض ثابت، وهذا غير معقول فنحن نعيل أسراً ولدينا أطفال يدرسون ويحتاجون مثل غيرهم لكتب ولوازم دراسية إضافة إلى تكاليف السكن والمعيشة والتطبيب".
معاناة مزمنة ...وحوادث قاتلة
وعن معاناتهم اليومية خلال العمل يقول إبراهيم "نحن عمال يدويون بسطاء نعمل بجهد دون كلل ونحرص على إرضاء التجار وإيصال البضائع في الوقت المحدد دون خسائر مهما كلفنا ذلك، ونعمل في ظروف قاسية، وتحت الشمس الحارقة أو البرد الشديد، ونتعرض لمخاطر كثيرة ونصاب بأمراض بسبب الأوزان الثقيلة التي نحملها يومياً في غياب تام لأي حقوق أو ضمانات اجتماعية...".
ويشير إلى أن عدد من رفاقه هجروا هذه المهنة بسبب ما أصابهم جراء العمل في حمل البضائع، خصوصاً آلام الركبة والظهر، واستعاضوا عنها بأعمال أخرى أقل ضرراً على صحتهم.
ويتعرض الحمالون لحوادث خطيرة ومميتة أثناء عملهم، فبعضهم يصاب بإصابات بالغة وآخرون بإعاقات مزمنة، إضافة إلى آخرين يفقدون حياتهم بسبب هذه المهنة في الموانئ وأسواق الخضر. ورغم هذه الظروف الصعبة والمخاطر المحدقة بهم يواصل الحمالون عملهم في صمت وينقلون بضائع بملايين الأوقيات (الأوقية هي العملة المحلية) مقابل مبالغ زهيدة لا تكاد تسد الرمق.
العربية نت