بيان من نقابة أحرار التعليم :|: "Aura Energy" تعلن إعادة هيكلة اتفاقية اليورانيوم في موريتانيا :|: تعيينات واسعة ب 3 إدارات في شركة "سنيم" :|: BAD يمول مشاريع للبنى التحتية بموريتانيا :|: المصادقة على اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين موريتانيا والسعودية :|: تحديث جديد في واتساب ينتظره الملايين.. ! :|: اضراب شامل للأطباء المقيمين الأسبوع المقبل :|: الاتحاد الأوروبي : مستعدون لدعم موريتانيا في مجال الهيدروجين الأخضر :|: تقدم الأشغال في مشروع السلحفاة /آحميم :|: ما حقيقة أفول نجم العملة الخضراء؟ :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع يظهر في صورة حديثة
 
 
 
 

دار ابن لقمان على حالها ..قبل خطاب (نواذيبو) وبعده /د. حماه الله السالم

vendredi 23 mars 2012


اسم مدينة (نواذيبو) تعريب لتسمية بربرية (اخف تيگگت) معناها : رأس الكلب ! أكرم الله أهلنا في مدينة الحوت. وقطعا هناك في الترجمة خطأ مقصودا جعل من الكلب ذئبا !

تقول الحكمة الصينية أن لكل سنة بعينها حيوانا مخصوصا، فهذه سنة التنين وتلك سنة النمر، وهذه سنة السرحان وهكذا...
أهل مدينة نواذيبو (رأس الكلب) قوم كرام كباقي أهل بلدنا الطيبين، لكنهم ليسو بمنأى عن ظلال تلك الحكمة الفلكية الصينية الغريبة.

لم يُعرف أهل نواذيبو بتربية الكلاب، لأنهم مسلمون على مذهب مالك شديد الكراهية للكلاب وما يتصل بها، رغم أن أهل المدينة يقفون على الشاطئ المقابل للجزر الاسبانية وأهلها شديدو الاختلاط بتلك الحيوانات الأليفة.

لا ندري أين دُفنت جثة ذلك الكلب المشؤوم، لكن رأسه بقي علَمًا على تلك المدينة الكريمة، ما يدل على أن في الأمر سرا وحكمة، قد تكون نزعة كلْبيّةً تسْري في الأرض والشاطئ والحيتان.

على سكان نواذيبو أن يبحثوا عن رأس الكلب المشؤوم الذي جعل كل سنواتهم كلْبيّةً، تفيض وفاء ورضا وقناعة، في ظل كل الحاكمين والحكومات.

وهذه سطور ليست من قبيل تشْقيق الكلام ولا البراعة في صناعة الترسل، أحرى أن تكون من قبيل المقالات الرصينة التي يدبجها أرباب القلم المحترفون.

إنها نوع من تلك الخواطر التي تتسلل خلسة إلى أولئك المغرمين بالجلوس على الكثبان الصفراء وتأمل الغروب وسماع الأصوات الفطرية، ما يشي بأن في نفوسهم نزعة ذئْبيّة حقيقية متوحشة متمردة مناقضة تماما للنزعة الكلْبيّة.

الأمن فوق الجميع

لم يعد سرا أن الأمن بمؤسساته (الاستخبارات المختلفة وأجهزة الأمن العام)، ومنطقه التقليدي (السيطرة والضبط والتحكم)، هو أساس كل ما يجري في هذه البلاد منذ عقود متطاولة.

فالرؤية الأمنية هي التي تحكم التعليم والثقافة والصحة والتربية والمعادن و"الحوت" والزراعة والألبان والطرق والإدارة والإعلام وحتى بطاقات التزويد المشؤومة !

وهذا هو جوهر المسألة الوطنية، التي لم تعد تخفي حقائقها على غير المغفلين الذين يستمرون في معارضة الأطر والصوى الفارغة أو الدفاع عنها وبحماس من دون دوافع حقيقية.

لقد دخل النظام الموريتاني الراهن، مرحلة متقدمة من الانسجام مع ذاته ومع الواقع الافتراضي الذي يتحكم فيه.

الدولة الموريتانية، قياسا بنظيراتها، ليست ضعيفة، وهي تدبر رواتب موظفيها جيدا، وتسير إدارتها بالرتابة ذاتها في مختلف دول العالم، مختلف مشاكلها وأعمالها وتنجز وتعمل وتفسد وتصلح، إلى غيرها من الأمور المندرجة في باب الأجزاء والتفاصيل منها تحت عنوان الفعل الكلي والشمولي.

لكن ذلك لا يُرضي أحدا، إلا إذا كان من المنخرطين في اليومي والمبتذل، وهو بحر واسع وعميق غرق فيه الكثيرون أو كادوا.

قديما قيل إن موريتانيا بلد المتناقضات، وهو قول صحيح، لكن من يرددونه، يفعلون ذلك لجعل عقولهم تستريح من تعب البحث في سر لم يدركوه.

لا يريد أي حاكم، مهما حسنت نيّاته، أن يُراجع فيما يفعل، وبالقطع لن يقبل نقدا ولو بنّاء، حتى ولو أعلن ذلك على الملأ، لأن نظام السلطة ـ الدولة يرفض ذلك، ولن يقبل وجود سلطة للعقل ولا للتفكير ولا للذوق خارج ما يُصنع منها ويُوجه وفقا لمنطق الأمن آنف الذكر.

تنبع تلك السياسات من النظرة التحقيرية للمجتمع، باعتباره غير راشد، ولا يمكن السماح للمتعلمين فيه بالتفكير والإبداع خارج الأطر الرسمية "الحقيقية"، حيث دوائر الاستخبارات وهيئات الأمن والمباحث.

وليس سرا أن السلطة ـ الدولة تنتقي من تتوسم فيهم ذكاء ونباهة من شباب البلاد للعمل في الدوائر الخاصة، وهي بهم أولى من مجتمعهم الذي يعيش خارج الزمان والمكان، ولا يَعْرف غير ما يُراد له أن يعرفه، ثم يُتحدّث بعد ذلك عن عقبات تمنع النماء والسلوك القويم ويصب جامّ الغضب على أولئك المساكين الذين تُجرب فيهم كل الوصفات ويمنعون من كل ما قد يؤول بهم إلى الآدمية كباقي بني الإنسان، والأدهى والأمر أن يكون ذلك المسعى المشؤوم هو في مصلحتهم وفقا لمنطق الأمن ذاته : عليكم تغيير عقلياتكم؟ ولو تمهّد لدى الناس جواب لكان : وأين هي العقول التي تركتموها لنا كي نفكر بها أو لنغير منها !

في موريتانيا لم يتغير شيء كبير، فالنخبة السياسية ما تزال تنتج الخُطب ذاتها، مع بهارات وتوابل حرّيفة من السباب والشتائم المقذعة، وحتى البليدة أحيانا، تتطاير من كل الأشداق في كل الاتجاهات وعلى مرأى ومسمع من الشاهد والغائب.

الرئيس الحالي شرعي لأنه منتخب من الناس، لكنه ينسى أن ذلك كان بقبول من مُعارضيه، فيصفهم باللاشرعيين واللاوطنيين أو شيئا يشبه تلك الأوصاف، متناسيا أن منطق الشرعية والمشروعية والشرعنة، في الاجتماع السياسي وما يتأسس عليه من حكم وقانون، مترابط وعام يطال الحاكم ومن يحكمهم ومن حكّموهم وتحكموا فيهم.

والمعارضون يطالبون برحيل رئيس هم من انتخبوه لا غيرهم، وهم من قبل انقلابه على سلطة شرعية وصفوها بكل النعوت.

فريق من المعارضين خبَر دروب المكر والفساد والفسق السياسي، وهو معارض وموافق، في آن، لكن قصارى جهده أن ينال مالا أو رتبة تكسبه جاها بين الناس، لأنه أشرب ذلك في قلبه.

وفريق آخر حلت عليه لعنة الحاكمين، لأنه لم يسرق مالا ولم ينل مغنما، لكنه لسوء حظه يريد السلطة، أو قطّه من عذابها، وهي لقوم مخصوصين وفي باب مخصوص.

وآخرون من دون هؤلاء غلبت عليهم الحيرة، فهم يريدون خيرا ويخشون غائلة الرفض وغوائل الموالاة، سكارى وما هم بسكارى..لكنهم يسيرون مع الجموع، وخلالها يوجد قوم يريدون كسب الوقت لأن لهم أجندات خاصة إلى الوقت المعلوم.
أما المتابعون لما يجري، من بعيد، فقلوبهم واجفة خشية أن يُدانوا بما لم يفعلوا، إن أنكروا منكرا أو بيّنوا معروفا، وهم في نهاية المطاف محل شك الحاكمين وشكوك المعارضين.

الفاسدون كثر ومعروفون، لكنهم مواطنون، والحكَم بينهم والحاكمين، هو القانون الحاكم على الجميع، لكن الكل ساخط، وقد يرضى في أية لحظة إن نال نصيبا أو نصابا.

للحاكم أن يولّي من يشاء أي خطة يشاء، وله أن يدبر سلطانه وفقا للمنطق الذي يريد، لكن الأمور بخواتمها، والسياسات تقاس بنتائجها، أفعالا لا أقوالا.

لكن هيبة الدولة تتآكل حين تطل على الناس وجوه أغلبها غير مقنع، لا كفاءة ولا تدبيرا ولا حتى هيئة.

ولذلك فالوزراء ورؤساء الهيئات الكبرى، سعاة وحملة بريد وقد يتطوعون بحمل بريد شفوي يجمعونه خلسة مما تجود به عليهم ألسنة الزائرين والمترددين حتى صار بعضهم من ذوي الهيئات الذين قد تُقال عثراتهم في غير الحدود، عينا وأذنا للحاكم وليس وزيرا يدبر ويدير، وهو حال أمثاله من طاقم يوم الخميس كل حسب جهده وجده وحظه وكده و"شدّه وعدّه".

إن الأرقام لا تعني شيئا، ولا أحد يعبأ بها ولو كانت حقا، لان الجميع سئم الوعود والكلام والخطب والمواعظ والأماني، ولم يعد مقتنعا بغير حقيقة واحدة أن الموريتانيين جميعا، عربا وزنوجا، وفاسدين ومفسدين وعقلاء ومجانين وجهلة ومتعلمين ومعارضين وموافقين، ونمامين ومنافقين، ومعتدلين ومتطرفين، يمكنهم أن يعيشوا بكرامة وفي بحبوحة من العيش وبجهد قليل، ومن دون خطب ولا تهديد ولا وعيد، ولا استخبارات تعد أنفاس الناس من حيث لا يعلمون وتتنصت عليهم وتصفهم بكل النعوت النبيلة والرذيلة، وتعِدُهم وتمنّيهم، وتدلّي حاكمهم بغرور.

ولم يعد ذلك الجمع من (أهل الخيام) معنيا لا قليلا ولا كثير، بأي خطط كبرى ولا صغرى ولا مواجهة للخطط والمؤامرات من القريب البعيد، فكل الشعوب تتمنى عيشا هنيئا وأمنا على الأعراض والدماء، وقليلا من الإزعاج والخطب وأيضا منع "موجات شركات الاتصال شديدة الخطورة على الصحة".

لو كفت السلطة عن منطق الإقصاء وسياسة التخويف والتخوين ومنهج الإذلال للمستقلين والمعارضين بحق، وحتى الموالين من أجل المصلحة العامة، لو فعلت قليلا من ذلك لتبين "خيط من كبّة" فيما تريده السلطة وتسعى إليه.

على من يريد أن يغير شيئا في هذه البلاد، أن يكف عن سياسة الترغيب والترهيب بلسان الحال والمقال، لأنها لم تنتج غير البؤس والخوف من المستقبل والخضوع والذل والمهانة والكذب والنميمة والدجل والرذيلة، ولا أخال حاكما عاقلا مسؤولا يود أن يقول الناس أنه يحكم رعية من الجبناء والبؤساء وأيضا من ذوي الأخلاق الرديئة.

ومادام الحاكم لم يقدم للناس مشروعا وطنيا، له منطقه ومبادئه ورؤيته الكلية وأهدافه ومراميه، فليس لمن لهم بقية حياء وتقوى، أن يسيروا في ركب الجولان والزيارات والتصفيق والتبرير الوقح لكل الأفعال والأقوال الرسمية في التلفزيون والإذاعة بخطب دينية وسياسية كما يفعل من كانوا يقومون بتلك الترهات في ظل حكام سابقين.

لقد تأكد أن صحيح النيات في عمل الحاكمين هو نفسه من كان لدى أسلافهم، لم يتغير غير الشكل وقد لا يكون تغير كثيرا.
السلطة لمن يتولاها، وهي حظه وحقه، لكن منافع الدولة هي للناس جميعا، تجارا ومنمين ومزارعين ومدرسين وبطالين، معارضين وموافقين ومهمشين وراضين وساخطين ومستقلين ومنعزلين.. ينالونها وفقا لقواعد التنافس والحقوق والمعايير والضوابط المعلومة في زوايا المعمورة.

لا يعرف الحاكمون لهذه البلاد، أنهم في واد بينما يعيش رعيتهم في واد آخر، ويتعجبون وقد يزدادون غيظا، من ردود الفعل المتوالية، من العامة والخاصة، وفي الغالب من غير المعارضين، المنزعجة من طريقة تدبير الشأن العام، أو إذا شئنا الدقة، من نتائج ذلك التدبير، في وقت تعتقد ـ السلطة ـ الدولة أنها على صواب وأنها بذلت جهدا معتبرا في ذلك المسعى، وقد يكون حقيقيا لكنه غير كاف، لأسباب كثيرة.

الجميع يعمل بالسخرة للدولة وهذه في خدمة السلطة

الآية مقلوبة في هذه البلاد الطيبة، حيث في البلدان الأخرى المستقلة حديثا، تغيّر شيء ما في سلوك الإدارة تجاه الناس ومعاشهم وأعرافهم في القول والفعل، ولذلك تمهّد لزائر تلك البلدان قبس من النماء والعمران وحتى المزاج العصري.

أما في موريتانيا، فالأمور على حالها، وحتى إذا شرع حاكم في تغييرها، فسيكون الأمر شبيها بردْم يأجوج ومأجوج، حيث ما يفتحونه من السدّ يتركونه للغد فيجدونه قد عاد لحاله الأولى قويا صلبا، لأنهم يحاربون قوة المشيئة الربانية الغالبة وهي تمنعهم صرْف الحوْل والقوة إليها، وتلهمهم في ذات الوقت إرادة الخروج للوقت المعلوم.

في خطاب نواذيبو لم يرد تفسير لسبب تدهور التعليم، لأن جوهر المسألة الثقافية تعليما وتربية وهوية هو الفصل في اللغة الرسمية للدولة والمجتمع، وهو أمر من سخرية الأزمان، بعد أن مضى على الاستقلال نصف قرن أو يزيد، ولكن الخطاب لن يصرح بالمسكوت عنه وهو الخوف من اضطراب حبل الأمن وتدهور الأحوال، لأننا لسنا كسائر البلاد والعباد لنا لسان مخصوص وهوية بعينها، بل نحن أسرى هويات قلقة وفي طلاب هوية جامعة مانعة هي ملح الأرض والإنسان منذ ألف سنة لكنها هنا مُغيّبة ومخيفة ونحن بلد متعدد الأعراق والثقافات والألسن والخيارات وليس لنا إلا الصمت، أو ليس لغالبيتنا غير ذلك، أما القلة وهي من مجموع سكان البلد عربا وزنوجا فهي فوق القانون والتاريخ تفعل ما تشاء وتعلم كيف تشاء وتتعلم كما تريد وتدرس باللسان الذي يحلو لها وتسخر أيضا من الحاكم والمحكوم بالقول والفعل.

هل تغير سلوك الولاة والحكام ومن لف لفهم تجاه مشاكل سكان الدواخل وحرمة أموال الناس وحتى أعراضهم؟

وهل تبدلت صنوف التعاطي السياسي بين الإدارة والناس؟ أليس الثابت الوحيد في تلك العلاقة هو خلق العداء وتكريس الأحقاد ومنع التآخي تعقيد القضايا وتحقير هؤلاء وحصار أولئك؟

كرر الرئيس منجزاته غالبيتها حق لا مراء فيه، لأنه مجسد أمام الناس، وقديما قيل لا مكابرة في المحسوس : طرق، ومياه، وكهرباء، ومال عام كان شاة بفيفاء، وقد قيل حفظ الموجود أولى من طلب المفقود، وقد بالغ الرئيس في صون المال العام، حتى صار لديه وسواس تقصي طرق الصرف العادية من حاسوب في دار الرئاسة !

وجاء رد العدوان وهو حق محفوظ لا مشاحة فيه، وقد تم تجاه المسلحين ومن حولهم، وبمبالغة عنيفة وحاسمة، لكن الحرب امتداد للسياسة، وهذه تدبير لأمر ما، ويحكم على السياسات بالنتائج وليس بالأقوال ولا الإجراءات وقد يكون في ما زال في الجعبة و"الجعبات" شيء !

الرئيس يعترف بانهيار التعليم، ويلقي باللائمة على من سبقوه، و لا يتنصل من إصلاح فاسد التعليم والتربية، لكن المسألة في نظره تطلب وقتا، وهو صواب لا خلاف عليه، لكن يعكره صفوه أن رجال التربية والتدريس يضعون أيديهم على قلوبهم الواجفة وهم يلمسون فعل الإصلاح شاخصا كالشمس في رابعة النهار : لا مكان لغير اللغات الأعجمية لأنها لغات التقانات والطب والحساب وأشياء أخرى، ويكادون يصعقون من هول ما رأوا من تقليص ممنهج للحرية الاكاديمية (يصدر بمرسوم.. يصدر بمرسوم...!)، ومن لامبالاة عجيبة ومبتذلة تجاه التربوي الجامعي والمعرفي، حيث لا حرمة للكفاءة ولا للأقدمية العلمية ولا للنشر لا في المناصب الأكاديمية ولا في المرتب العلمية ولا في الإدارات التربوية ولا في الهيئات المهنية.

وهم أيضا يعجبون، وهو عجب في غير محله، من نظام يخشى الحرية الأكاديمية، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شأن المدرسين، حتى في الامتحانات والتدريس، ضبطا وربطا وليس، بالطبع ـ تطويرا ودعما، ثم لا يكتفي بذلك حتى يلغم المؤسسة الجامعية بكل القيود الرمزية والمادية التي تمنعها الوجود بله العطاء.

أي مستقل لهذا الشعب، وكل فرد من الناشئة، يرى كل يوم مشاهد بائسة تتغلغل في تلافيف مخه لتستقر في اللاشعور حيث القرار المكين للصور والمعاني التي لها سلطان شديد على النفس والبدن : جموع الناس تساق كالأنعام إلى كل زيارة رسمية، رغبا ورهبا، لتكرر خطب المديح والتزلف والكذب والنميمة، من أجل لحظات تنقضي وتذوب في الزحام، وخطب وسجالات فارغة تبث عبر الأثير لتكريس الجهالة والنميمة ولقتل كل ما هو منطقي وعقلي وسام ونبيل في نفوس الناس.

إن بلدا ينتفض الحاكمون فيه، قديما وحديثا، كلما سمعوا حقا أو حقيقة، أو دهمتهم خطوب لم يُحْكموا مواردها ولم يعرفوا أصولها، لقمين بأن يوصف بأنه داخل لا محالة في حقل المسارات القلقة، التي لا يمكن معرفة نهايتها ونتائجها.

لقد قرّرت السلطة الحالية تصفية المؤسسة الجامعية وتحرير (خوصصة) المنظومة التربوية نهائيا، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، لحكمة يعلمها من يهمه الأمر، ولعلها تدخل تحت بند حق الدولة، لكنه قطعا حق يراد به باطل وسيؤول إلى كارثة محققة، تجعل العلْم جهالة والتربية انحلالا والمعرفة سخرية والثقافة لعبة، وحينها سيتردد من لهم مسْكة علم وخلق في التفاؤل والنظر إلى المستقبل بثقة واطمئنان.

الحاكمون يعتقدون أن الجامعة هي للتدريس فقط، ولذلك يجب قصْرها على من تحتاجهم شركات المعادن وهيئات الطب والمهن، أما الباقون من دارسي الفكر والآداب فهم عالة على الناس لا مكان لهم في سوق العمل، وهو حق نسلم به جدلا، لكن الجامعة الحديثة ليست للتدريس فقط بل إن وظيفتها الحقيقية أكبر من ذلك وأهم وهي بناء مساحة للتفكير والبحث وإنتاج قيم العقل والنقد والاستقلال في الرأي والغيرة على الصالح العام وتحمل المسؤولية وهي أمور مفقودة في بلد تعشعش فيه الجهالة ويتراجع فيه الوعي وتتآكل القيم الجماعية وتتقلص مساحة الكفاءة والغيرة على المصلحة العامة، ولم يُنتج منذ استقلاله مفكرا ولا عالما، باستثناء زمرة ولدتهم المحاضر في نهاية عمرها تماما كبوم مينرفا رمز الحكمة الذي لا يظهر إلا عند الغسق حين تغرب الحضارة ويكتمل وعي العقل الكلي بذاته حسب عبارة هيغل.

لو تُركت الجامعة وحالها، حتى وهي ضيّقة العطن، ليس بها إلا قلة من المدرسين الحالمين والمهوسين بالتفكير والسجال والبحث، وقلة من المتلقين، وفتحت في فرعا في كل ولاية أو إقليم، ومارست دورها في خلق فضاء النقد والتفكير المستقل واحترام قيم العقل والأمانة وحرمة العلم والمعارف، لأنتجت للبلاد والعباد ما لن تقدمه جيوش المهنيين، ولا الفنيين، ولا أموال الذهب والفضة وجميع المعادن النادرة. والأهم من ذلك والأولى لاستطاعت إخماد بؤر التوتر التي تهدد كيان المجتمع ولخففت من غلواء الكثير من التدهور المؤسسي والمجتمعي وبتكلفة زهيدة في الجهد والمال، لكن لا حياة لمن تنادي وتدعو.
لست من أولئك الذين يعتقدون أن السلطة ـ الدولة في موريتانيا بليدة أو فارغة، بل هي عكس ذلك تماما، على الأقل في الخوف من العقل والمنطق والكلمة والرأي، وإن من وجهة أمنية ضيقة.

وليس التعليم والتربية والثقافة وحتى الحقل الديني، بمنأى عن الرصد والمتابعة والتضييق والتفكيك والإخضاع للتشييئ والطحن والعزل والعنف الرمزي والمادي.

أما من يوصفون بالمتعلمين وهم يقدمون أنفسهم بأسماء أخرى : النخبة، الصفوة، الكوادر، .. فقد رضوا بأن يكونوا مع الخوالف من النمامين والجواسيس والمنافقين واللئام والكذبة قصارى ما يتشوفون إليه هو منصِب أو منصَب يُطبخون فيه أو يُقلوْن (من القلي) أو "يجمّرون"، المهم أن يخرجوا مختلفين عن غيرهم من المحرومين من الإنعام والقرب من ضياء الحاكم، حيث وهج السلطة وضوؤها وإن كان يخبو رويدا رويدا..

لكن ما لم يقله الرئيس ولم يقله قبله من قبله من الحاكمين، هو ما الذي يجعل أهل هذه البلاد مرغمين على أن يعيشوا بذلة وبؤس وجهالة، مهما تغيرت الوجوه والسحنات والخطب على كرسي الحكام، وكيفما كانت المعارضة تعرض وجوها ورفضا ومساومة لكنها رغم ضعفها وتفككها، تعطي للحالة السياسة "معنى" ما، هو في صالح النظام قبل المعارضينن الذين يبقون على وهج السياسة ولو مالوا على أنفسهم ولو قليلا، لوجد الصمت والفرغ من يملأه وبدون موعد.

لم يعد أحد، من الناس العاديين أمثالي، يقيم وزنا لكلام رسمي أو معارض، لأن دار ابن لقمان ما تزال على حالها والقيد باق في رقاب وقلوب الناس يشقون به صباحا ومساء.

عادت نغمة التزلف والنفاق والمساومة والتبرير

موارد الدولة، وهي ضيقة العطن، تخضع لميزان دقيق، مفقود في كل الأمور إلا في صرف العطايا والمناصب والإقطاعات، التي لن ينالها غير المصفقين والنمامين والمتنكرين لكل القيم.

فالنظام لا يقبل من أي كان أن يبقي على شيء من ماء الوجه، وإلا فلن يكون مواطنا بل شيئا كالأشياء القابلة للاستعمال والقياس والإهمال، ولذلك فالخطاب الرسمي ينزع عن الإنسان شرعية الوجود والفاعلية الآدمية.

ما يُخْشى منه أن تكون نهاية المطاف ماثلة في بلد يهجره الخاصة ويبقى فيه العامة خدما للشركات الأجنبية، تماما كما في أفلام هوليوود عن غزو العوالم وإنتاج المعادن والفلزات من المريخ، بجيوش من البشر المستضعفين والمنفيين ممن اتهموا بالجرائم أو تم نفيهم لرفض الذل والمهانة تحت سلطة الأجنبي !

إنها فعلا بداية المسارات القلقة، والأكثر خطورة من ذي قبل، قد تؤول إلى انسداد قاتل، أو دورة من الصراعات العنيفة أو المبتذلة، على نحو ما ظلت تعرفه هذه البلاد، بنخبها المدنية والعسكرية وبنزعاتها الكلْبية والذئْبية، وعادتْ هيْفُ إلى أدْيانِها والله وارث الأرض ومن عليها.

ولله الأمر من قبل ومن بعد

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا