لقد قرأت باهتمام وتمعن مقالا نشرته جريدة الشعب في عددها الصادر بتاريخ الأول من أكتوبر من سنة ألفين واثني عشر وهو مقال بعنوان مشكلة العبودية في موريتانيا للكاتب الكبير واللوذعي الشهير أعزيزي ولد المامي وبعد أن تصفحت كل ما جاء فيه من سرد لأسباب ونشأة وتطور مشكلة العبودية عبر التاريخ هالني ما رأيت من تبحر وتبصر تميز بهما هذا الكاتب عن غيره من كتاب العصر فكان لزاما علي أن أشيد بعمله الجبار وبمجهوده الفذ الخلاق محاولا في أسطر قليلة التعليق قدر الإمكان على ما جاء فيه من آراء ومبرزا في الوقت عينه كل السمات المميزة لهذا المقال عن غيره من المقالات التي نشرت وتنشر من وقت لآخر عبر مختلف الصحف المحلية والتي أثار أصحابها نفس المشكلة دون أن يبينوا للقارئ خيوط الإشكالية ناهيك عن الحلول المقترحة أيا كانت مصادرها ونوعياتها.
فجاء هذا الكاتب برونقه الجديد وبأسلوبه الطريف التليد ليضيف إلى الكتابة ألوانا وإلى الموضوع بيانا وليظهر وبجلاء مدي تمكنه من زمام الثقافات ومدي تضلعه من مشارب مختلف الحضارات حيث تناول الموضوع من كافة الزوايا والأبواب مبينا تضارب الآراء حول جدلية وجود أو تلاشي هذه الظاهرة التي يري البعض حسب الكاتب أنها لا تزال ماثلة للعيان في حين يرى آخرون أنها قد اختفت تقريبا.
أما بخصوص بعدها التاريخي فقد أشار الكاتب إلى أن قدم ظاهرة الرق يعود إلى الإغريق والبابليين والرومان والبيزنطيين والفراعنة وغيرهم من الحضارات المتعاقبة عبر الزمن إلى أن جاء الإسلام قبس الهدى والتسامح ونبراس الحرية والعدالة حيث اعتبر العبيد ولأول مرة في التاريخ بشرا يمتلكون حقوقا وعليهم واجبات شأنهم في ذلك شأن الأحرار تماما إذ تشير الآية الكريمة من قوله تعالى
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) إلى أن التقوى هو وحده مقياس التفاضل بين البشر وحيث قال النبي الكريم (لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى) وأشبع الكاتب موضوعه بالأدلة القرآنية والأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسلوب بديع وشيق بعيدا عن التحيز والتعصب وخلص الكاتب إلى أن الإسلام في حل من كل التهم التي تصفه بتكريس العبودية بل إنه هو أكبر مساهم في القضاء عليها من خلال المساواة في الخطاب والتشجيع على العتق وغير ذلك من الخصال الحميدة.
وأسهب الكاتب في تتبعه للآثار التاريخية لهذه الظاهرة بدء بالعصور الظلامية ومرورا بصدر الإسلام وانتهاء بالعصر الحديث حيث مورست هذه الظاهرة في الغرب من لدن تجار العبيد الأفارقة على الساحل الإفريقي ما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين كما نالت العبودية في موريتانيا نصيبها من التحليل فبعد أن ذكر الكاتب تحريم العبودية منذ الحقبة الاستعمارية في البلاد وكذلك في أول دستور موريتاني سنة 1961 والتعميم الذي أصدره الرئيس الراحل المختار ولد داده في أواخر الستينات والذي ذكر فيه جميع المسئولين بعدم شرعية العبودية وطلب منهم عدم الاعتراف بها خلص الكاتب إلى أنه وفي سنة 2007 سنت بلادنا قانونا يجرم العبودية ويعاقب على جميع أشكال الاسترقاق وأضاف الكاتب أن هذه الظاهرة شهدت تناقصا لافتا في الفترة الأخيرة وذلك لجملة من الأسباب ذكرها في مقاله من أهمها وجود إطار تشريعي يحرم تلك الممارسة ومن باب الإنصاف كذلك ذكر الكاتب أنه لا تزال هناك بقايا ورواسب تتطلب جهودا إضافية من لدن السلطات العمومية للقضاء على هذه الظاهرة نهائيا.
انواكشوط بتاريخ:29/10/2012